فرص ضائعة وتأثير محدود لقرارات البنك المركزي المتأخرة
في ظل صلف و عنجهية ميليشيات الحوثي في الملف الاقتصادي وتعظيم الانقسام النقدي لتغطية النهب المستمر الذي تقوم به ميليشيا الانقلاب. كانت هناك دعوات متكررة أن على البنك المركزي الشرعي في عدن اتخاذ إجراءات حاسمة لمعالجة الأزمة المالية والنقدية التي فرضها الانقسام الناتج عن فرض الحوثيين للعملة القديمة كعملة خاصة بهم.
البنك المركزي في عدن، باعتباره الجهة المسؤولة عن السياسة النقدية في المناطق المحررة، تجاهل كل الدعوات السابقة منذ بداية الانقسام عام 2019 لتنفيذ استراتيجيات فعالة للتغلب على هذه الأزمة. لانه سبق ودعونا إلى حل مشكلة الانقسام النقدي التي فرضها الحوثيون عبر الغاء العملة القديمة في حينه.
منذ بداية الانقسام في 2019 ، كانت هناك دعوات كثيرة أن يصدر قرار من مركزي عدن لالغاء العملة القديمة و اعطاء فرصة للبنوك والافراد استبدال مالديهم من اوراق . ليس ذلك وحسب بل فرض بيع الغاز المنزلي المنتج من مأرب بالعملة القديمة كوسيلة لسحب السيولة النقدية من العملة القديمة من مناطق سيطرة الحوثيين. وكذلك اشتراط الدفع بالعملة القديمة لحصول بنوك وتجار الحوثي على تسهيلات بالدولار من الوديعة السعودية التي بلغت ملياري دولار.
في ذلك الوقت كان من الممكن بسهولة تحقيق الهدف من هذه الخطوة وحخدج سحب العملة القديمة من مناطق سيطرة الحوثيين ونسف خطة الانقسام النقدي الحوثية. وحرمان الميلشيا من نهب أموال المواطنين عبر الفوارق غير الحقيقية في العملة ، وبالتالي إعادة توجيه الأموال إلى النظام المالي الرسمي في البلاد.
لو تم تنفيذ هذه الإجراءات في وقتها، كان من الممكن تجنب الأزمة المالية القائمة حاليًا. وكان على الاقل سيتم الاستفادة من الوديعة السعودية التي بلغت ملياري دولار، والتي ذهب منها مليار دولار للتجار والبنوك في مناطق سيطرة الحوثيين، وكان يمكن أن تُستخدم بشكل أفضل إذا تم التنسيق مع الخطوات المقترحة وغيرها من الطرق لسحب العملة القديمة وتضييع الفرصة أمام الحوثي. ولكن الفشل في استغلال هذه الفرص أدى إلى ترسخ حالة الانقسام النقدي، وتركز الكتلة النقدية القديمة في مناطق الحوثي ، مما يجعل تأثير أي قرار جديد يتخذ بعد كل هذه السنوات محدود جدًا.
لأنه مع مرور الوقت، ترسخت حالة الانقسام النقدي، وتمكن الحوثي أكثر من السيطرة على السياسة النقدية للبلاد وفرض نظامه وتوجهاته وبالتالي فإن القرار الأخير من البنك المركزي في عدن لمنع العملة القديمة لن يكون له تأثير مهم على إنهاء الانقسام أو تحسين الاقتصاد. وحتى صراخ الحوثي الحاصل فهو بسبب التعطل المحتمل البسيط لمصالح الحوثي مستقبلا. لكن من ناحية المواطن و استفادته من هذا القرار فهي منعدمة. والاحتمال الأغلب هو خسارة اصحاب الودائع لاموالهم بفعل هذا الصراع، لأنه لو طبق القرار سينهب الحوثي الودائع ولن تعوض الشرعية الناس. هذا بخلاف أن البنوك ستتجرع نتائج هذه القرار. لأن النقل كان يجب أن يتم بمجرد نقل المركزي إلى عدن. في ذلك الوقت كان من الممكن نقل البنوك والأموال بشكل أكثر سلالة وهدوء بدل البروباجندا الإعلامية التي تصنع ابطال من ورق.
السيناريو المتوقع ان البنك المركزي في عدن يمنع بنوك مناطق الحوثي التي كانت تشكل المنظومة المصرفية في البلد وتم تعطيلها واضعاف موقفها طوال السنوات الماضية. وفي المقابل يمنع الحوثي البنوك التي نشأت في مناطق الشرعية والتي بالمناسبة لازالت -جميعها- غير مستوفية للشروط وغير مطابقة للقوانين واللوائح. على العكس ربما تكون هذه القرارات في مصلحة الحوثي لو نفذتها البنوك لانها ستخلصه من التزاماته تجاه ودائع المواطنين والتي من المفترض ان يتحملها بنك الحوثيين المركزي الذي بطبيعة الحال سيقوم بنهبها وترك بنك عدن يتحمل المسؤولية طالما وفرض على البنوك نقل مراكزها الى عدن.
مع كل التحفظات على عدن كمدينة غير مستقرة وتغيب فيها سلطة القانون. لكن يظل تشكك كبير حول قدرة مركزي الشرعية على دفع أرصدة للبنوك التي طُلب منها نقل مقراتها إلى عدن وتعويض المواطنين. هذه احدى الصعوبات التي يواجهها مركزي الشرعية بالإضافة الى عدم قدرته على دعم البنوك بالمقرات والأجهزة الجديدة. لذلك فإن القرارات الحالية قد تؤثر على بعض المصالح المستقبلية للحوثيين، إلا أن هذا التأثير سيكون محدوداً. ومن سيتحمل النتائج السلبية هي البنوك مع غياب كامل لأي فوائد ممكن أن يجنيها المواطن.
الدعوات السابقة لاستبدال العملة القديمة وبيع الغاز بالعملة القديمة كانت تهدف إلى إلغاء الانقسام النقدي والتحكم بالسياسة النقدية ، ولكن عدم تنفيذها في الوقت المناسب أدى إلى تفاقم الوضع الحالي وجعل من غير الممكن تنفيذها حالياً. خصوصاً أن الحوثي قادر على طباعة عملة خاصه به وقد بدأ ذلك بالفعل حتى لو افتقدت للصفة القانونية والشرعية ، الأمر الذي لا يهم الحوثي في شيء.
ختاما ، يمكن القول إن الفرص التي كانت متاحة في وقت سابق لاتخاذ إجراءات حاسمة لم تُستغل وتم تجاهلها ، مما أدى إلى ترسخ حالة الانقسام النقدي وتفاقم الأزمة الاقتصادية. وعليه فإن تحقيق الاستقرار الاقتصادي في اليمن يتطلب جهودا منسقة مع كل اجهزة الحكومة الشرعية وليس البنك المركزي لوحده مع وضع استراتيجية طويلة الأمد لتجاوز المعضلة الاقتصادية المزمنة.
و لإجابة السؤال عن مدى جدوى وأهمية قرار البنك المركزي في عدن لالغاء العملة القديمة ، فإن القرار هو قرار متأخر جداً ولن يكون له تأثير مهم،، والأمر لا يتعدى أن يكون دعاية سياسية لن يستفيد منها المواطن . والأهم من ذلك أنه سيكون عاجز عن إنهاء أو حتى التخفيف من الانقسام النقدي، ولن يحصل أي تحسن حتى على مستوى التضخم و الوضع الاقتصادي في البلاد ، مع تجرع البنوك لاعباء ومشاكل نتيجة لإجراءات وسياسات لم يكن لها فيها أي ذنب.