لافتات سبتمبرية (6) جمعية الإصلاح
تأسست جمعية الإصلاح مطلع العام 1944م، أسّسها القاضي محمد الأكوع والقاضي عبدالرحمن الإرياني، وكان الأكوع رئيسها. وضمت إلى جانبهما كلا من: الشاعر محمد أحمد صبرة والشيخ محمد منصور الصنعاني والقاضي عبدالكريم العنسي والأستاذ عبده محمد باسلامة، وأيضا القاضي محمد بن يحيى الإرياني والقاضي أحمد المعلمي، والشيخ حسن بن محمد الدعيس، الملقب بالفيلسوف، والشيخ حسن البعداني، والشيخ منصور البعداني، والشيخ محمد حزام خالد، والشيخ محمد الشعيبي، وغيرهم.
يقول الرئيس الإرياني في مذكراته: وقد وضعنا للجمعية نظامًا وبرنامجَ عمل، وفرضنا ضريبة شهرية وتبرعاتٍ على الأعضاء المنظمين. وجاء من صنعاء القاضي يحيى بن أحمد السياغي والسيد الحر محمد بن أحمد المطاع، واطلعا على برنامج الجمعية، وحضرا بعض جلساتها. وبعد وضع نظام الجمعية وبرنامج عملها والتزام كل عضو بما كلف به تفرق الجمع إلى ما أوكل لكل واحد.
ولأنَّ مثلَ هذه التجمعات والتكتلات من المحظورات في عُرف الإمام وأنجاله السيوف حينها، فقد كانت الجمعية سرية؛ لكن حين اتسعت دائرة الانتساب إليها خرج السر وفشا، وعرف الحسن بن الإمام يحيى أخبار الجمعية من خلال جواسيسه، وهو من الأمراء المتشددين والأكثر إغراقا في التخلف من كل إخوانه، فكان أن أمرَ بمداهمة المنزل المجتمعين فيه، والذي يتم فيه إيداع الوثائق، ثم اعتقال الموجودين، وإيداعهم السجن، مكبلين بالحديد، وذهبوا لتفتيشِ بيت رئيس الجمعيّة القاضي الأكوع، وفيه عثروا على الوثائق، ومنها نظام الجمعيّة وعددٌ من المنشورات التي مثلت قرينة لإدانتهم.
وتمت بعد ذلك مطاردة من تبقى من الأعضاء واعتقالهم، كالقاضي الإرياني، ثم إرسالهم إلى ولي العهد أحمد في تعز، مع آخرين معتقلين تم إرسالهم من صنعاء، مشيا على الأقدام، ومكبلين بالأغلال، في سلسلةٍ واحدة، وعددهم حوالي ثلاثين شخصًا في مشهدٍ يبعث على الإشفاق.
وظلوا في سجنِ ولي العهد أحمد في تعز حتى 8 ديسمبر 1944م، ومنها تم حشرهم في سيارات شحنٍ كبيرة كالنعاج إلى سجن نافع بحجة. وكان من ضمن المتعقلين الذي تم إرسالهم إلى حجة بهذه الطريقة شيخٌ طاعن في السن يزيد عن ثمانين عامًا، اسمه محمد حسان، من تعز، صوفيا يزوره الناس، فرآه السيف أحمد خطرا عليه. وقد مات في سجن حجة بعد أشهر من وصوله إليها.
ويذكر القاضي الشماحي أنّ الجمعية قد أرسلت برنامجها إلى الزبيري، وكان حينها يقيم في عدن، فتولى مطالعته وتوسيعه، وسماه "برنامج الإصلاح" وطبعه، وأرسل منه كميات كثيرة إلى القاضي محمد الأكوع، رئيس المنظمة، ومن أهدافها هو إزالة حكم الإمام يحيى وأبنائه، وهذا هو الهدف الحقيقي الذي تلتقي حوله المنظمات الثلاث:
1ــ هيئة النضال، برئاسة المطاع، في صنعاء.
2ــ حزب الأحرار بعدن، بقيادة نعمان والزبيري
3ــ جمعية الإصلاح في إب.
مضيفا: وهذه المنظمات الثلاث، وإن اختلفت في بعض الخطط ومواد النظام فإنها وبقية قوى المقاومة يتفقون جميعا في هدف واحد هو نسف حكم الإمام يحيى وأسرته. حول هذا الهدف كان لقاء كل الفئات بعقيدةٍ لا تقبلُ جدلا ولا مناظرة. إنها أصبحت عند الجميع كالشهادتين، محور الإيمان..
كما ذكر أيضًا أنَّ أعمالَ الجمعيّة قد امتدت خارج إب، إلى كل من ذمار ومعبر وصنعاء، ثم تعز بعد ذلك؛ حيث قام مندوب الجمعية القاضي إسماعيل الأكوع بحمل منشوراتها وبرامجها إلى هذه المدن، ويقابل الشخصيات البارزة مثل: المطاع وعبدالسلام صبرة ومحمد بن حسين عبدالقادر، إلا أنه قد تم القبض عليه بمعبر أثناء عودته، وقبل أن يتم القبض عليه استطاع حرق الوثائق التي كانت بحوزته، حتى لا تؤكد التهمة الإمامية عليه.
وهكذا.. كانت جمعية الإصلاح محطة نضالية كسابقاتها من المحطات، وكلاحقاتها أيضا، وجميعها تدينُ الحكم الكهنوتي البائد الذي لم تجدِ معه كل المحاولات النضالية السلمية حتى قال الشعب فيه كلمته الفاصلة في ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 62م.