من لطائف تشابه الأسماء .. محمود شاكر
من اللطائف العلمية التي أحببت أن أتحفكم بها أنه يوجد مئات العلماء ممن يتشابهون في الأسماء ، حتى أن شيخنا العلامة القاضي محمد بن إسماعيل العمراني ـ رحمة الله تغشاه ـ ذكر في " سفينة العمراني معارف ولطائف " أن هناك خمسة من العلماء والمشاهير يطلق عليهم " ابن هشام " ، وثلاثة يطلق عليهم " ابن الأثير " ، واثنان يطلق عليهم " الإمام الرازي " ، وبإذن سوف نذكرهم في مقالات قادمة .
وقد كنت شخصيا لا أفرق بين العلامة محمود شاكر السوري (1351- 1436 هجرية ـ 1932- 2014م) المؤرخ والجغرافي وبين محمود شاكر المصري العلامة والمحقق شقيق العلامة المحدث الشيخ أحمد شاكر رحمهم الله جميعا.
ومحمود شاكر السوري الحرستاني صدرت موسوعته في التاريخ الإسلامي قبل عقدين من الزمن بحوالي 18 مجلدا ، وفي بعض الطبعات 22 مجلدا تأليف محمود شاكر ، هكذا " محمود شاكر " فقط ما لبس على القراء وجعلهم يتوهمون أنه محمود شاكر المصري.!
والعلامة محمود شاكر السوري ـ رحمة الله تغشاه ـ لديه سلسلة نافعة في التاريخ الإسلامي ، وكتابه هذا " التاريخ الإسلامي " من أنفع الكتاب وأمتعها ، كما لديه سلسلة الخلفاء ، وسلسلة بناة العالم الإسلامي ، وسلسلة عن الشعوب الإسلامية ، ولديه كتب أخرى متنوعة في التاريخ والثقافة وفي حاضر العالم الإسلامي ، رحمة الله تغشاه .
لكن العلامة محمود شاكر المصري " أبو فهر " (327- 1418 هـجرية الموافق1909 - 1997م) الشهير براهب اللغة العربية ، نسيج وحده في الكتابة العلمية والأدبية ، صاحب كتاب " المتنبي " و " القوس العذراء " و " اعصفي يا رياح " و" أباطيل وأسمار " و " رسالة في الطريق إلى ثقافتنا " وهو محقق كتاب " طبقات فحول الشعراء " و كتاب " تفسير الطبري " وهو من حقق روائع عبقري اللغة العربية ورائد علم البلاغة عبد القاهر الجرجاني " دلائل الإعجاز " و " أسرار البلاغة " وغيرهما من الكتب الهامة والمؤلفات النافعة التي تدل على تبحره وغزارة علمه وخصوصا في اللغة العربية ، حتى أنه كان في زمانه من أبرز علماء اللغة العربية في العالم الإسلامي إن لم نقل هو أبرزهم على الإطلاق .
وأبو فهر هذا خاض معارك أدبية منذ بداية شبابه فناطح طه حسين وكشف مدى جهله ونقله من المستشرقين الحاقدين على الإسلام والمسلمين ، وفضح لويس عوض وبين للناس حقيقته وأهدافه ، قرأ مكتبات واستوعب موسوعات حتى صار موسوعة متنقلة ، أستوعب علوم اللغة العربية من الشعر الجاهلي قبل إلى الإسلام إلى كل جديد في اللغة منذ تلك القرون حتى حياته سواء في مجال الشعر أو النثر حتى كان طلاب الدراسات العلياء يستشيرونه في مراجع ومصادر لأطروحاتهم فيدلهم عليها ، وكان في عهده المرجع الأول لعلماء اللغة العربية وهو من يجيب على التساؤلات التي تشكل عليهم.
يقول عنه العلامة المحقق محمود الطناحي ـ رحمة الله تغشاه ـ وليس في وصف محمود شاكر بأنه أمة وحده شيء من استرسال القلم بدواعي الشجن لحادثة الموت وفوت الأماني بطلب البقاء، فإن سيرة هذا الرجل تنطق بأنه واحد في هذا العصر، فلا يشبهه أحد من أدباء زماننا، وما ظنك بأديب قرأ كتب العربية في فنونها كلها، لا أستثني فناً ولا علماً.
أقول قولي هذا غير شاك ولا متردد، فقد خالطتُ محمود شاكر ثلاثين عاماً، وخَبَرت سواده وبياضه، وعرفتُ علنه، وأطلعني على كثير من سره، ونظرت في مكتبته الضخمة فإذا على كل كتاب منها أثر قراءة ونظر وتعليق.
ثم قال :
" وقد كتبتُ عن محمود شاكر كثيراً، وحاولت أن ألتمس وجوهاً من الوصف تنبئ عن حقيقة حاله ومكنون أمره، وغاية ما انتهيت إليه أن الرجل رزق عقل الشافعي وعبقرية الخليل ولسان ابن حزم وجلَد ابن تيمية، بل إني رأيت أن ليس بينه وبين الجاحظ أحد في الكتابة والبيان، وكنت أرى أن كل هذا الذي قلته غير كاف في حقه . "
لقد رزق محمود شاكر عقل الشافعي، وعبقرية الخليل، ولسان ابن حزم، وجلَد ابن تيمية ، بل إني رأيت أن ليس بينه وبين الجاحظ أحد في الكتابة والبيان".