حصاد كهنة الآل لثمانية أشهر... بين استغلال المشاعر، واستثمار العاطفة!
عادةً ما يحدد صواب الرؤية بمسارات استراتيجياتها، وتٌعرف الأهداف بوضوحها وقابلية قياسها، وتقدر جودة العمليات بمخرجاتها، ويتم الحكم على المعارك بنتائجها، وتحل المعادلات بمعرفة ثوابتها ومتغيراتها وأطرافها، وتصنف القوة بعدتها وعتادها وعقيدة القائمين عليها، وتحسم القضايا بحنكة المدافعين عنها، ويتم اعتبار الخطط ناجحة بمدى الوصول إلى غاياتها، وتوصف الأعمال بخواتيمها، وتقدر جدية البيانات والخطابات السياسية بمدى تأثيرها ومصداقيتها وفاعليتها.
كما أن مقاييس الدعم والمساندة معلومة، ومعايير التوظيف والاستغلال معروفة، وميزان تقييم المواقف له شوكة تٌرجح كفة الملموس وتفضح كفة الغير ملموس (الهرطقات)، وتحسب تفوق التكتيكات المستخدمة والمنهجيات المتبعة بمدى تحجيم العدو وصده عن ممارساته.
ثمانية أشهر مرت على العدوان الغاشم من قبل الكيان الغاصب المحتل المجرم على أصحاب الحق والأرض، ويقابله أيضاً ثمانية أشهر مضت وفيها الكثير من التضليل والتوظيف والاستغلال والتحشيد والزيف والخداع من قبل الكهنوتية السلالية وقفازاتها القذرة!. ثمانية أشهر انقضت على أرض سبأ وحِميّر، ومورست فيها الكثير من الجرائم والجنايات، والعديد من الاعتداءات والانتهاكات، والوافر من الكوارث والمصائب، والغزير من دماء أبناء الأرض التي سالت؛ وكل ذلك بأيدي من يَدعون نصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف، والدفاع عن العدل، ونصرة الأمة، وإحقاق الحق!.
ثمانية أشهر تجاوزت فيه عدد تصريحات الجماعة الكهنوتية، إجمالي عدد تصريحات دول تعدت أعمارها القرون!. اثنان وثلاثون أسبوعاً من الانتهازية والاستثمار للحشود الجماهيرية الصادقة والمؤمنة بقضية الأمة، والتي غطى على تلك المصداقية لون شعارات الجماعة الكهنوتية، وطغى على ذلك الإيمان صور وملصقات القرين من الزعامة، وحجبت الأغراض الأساسية التي خرجت من أجلها الحشود، هتافات السلالية!. إجمالي عدد أيام الثمانية أشهر يقدر تقريباً بـ مائتين وأربعة وعشرين يومياً (٢٢٤ يوماً)؛ ولكن ذلك العدد أقل من خطابات زعيمهم، وأصغر من عدد بيانات متحدث ميليشياتهم، وأقل من عدد إعلانات أبواقهم، وأدنى من عدد الخيارات الحاسمة المعلنة على مدار الساعة، والتي أصبحت مثاراً للسخرية ومادة للتندر!.
لو تمت طباعة المحتوى المنشور في شتى وسائل التواصل من قبل الجماعة الظلامية خلال الـ ٥٣٧٦ ساعة، لشكلت الأوراق المطبوعة جبلاً يفوق قمة جبل النبي شعيب (جبل حضور في بني مطر)!. أضف إلى ذلك، أن عدد ساعات ما أُنتج من الفيديوهات والفلاشات والمؤثرات المرئية، وما تم تسجيله وعرضه، يفوق إجمالي عدد الساعات في الثمانية أشهر!. وأيضاً، عدد الكيلومترات التي قطعتها المسيرات الراجلة، وعدد ذخيرة الاقتحامات المدبلجة، وعدد اللجان المشكلة، وعدد الاجتماعات المعقودة، تتعدى بكثير عدد الدقائق خلال الثمانية أشهر!. أما حجم الأموال المرصودة لتلك اللقاءات والفعاليات والنشاطات والأحداث والتجهيزات والمتطلبات (وفي ظل شعب تم تجويعه وموظفي حكومة بلا رواتب)، تتعدى كافة التوقعات، ويتجاوز حجم أرقامها عدد الثواني في الثمانية أشهر!.
أما مراحل إعادة شحن الهمم، وتهييج المشاعر، وتفعيل العاطفة لدى الجماهير والحشود، فتمثلت المرحلة الأولى بالإسناد بالكلمة، وارتبطت المرحلة الثانية بملوحة البحر الأحمر، وتعاظمت المرحلة الثالثة بالخروج الذهني من نطاق البحر العربي إلى المحيط الهندي، بينما قفزت المرحلة الرابعة إلى اللون الأزرق الداكن (الأبيض المتوسط)، واحتمال أن تتجه المرحلة الخامسة إلى مضيق بنما!. علماً أن خارطة القواعد الموزعة والضخمة لعدة وعتاد من يَدعون مهاجمتهم، معلومة وواضحة، ولا تحتاج إلى مراحل، ولا تتطلب الإبحار إلى الأبيض المتوسط، ولا السباحة في المحيط الهندي!.
ورغم كل المراحل المتنوعة والمتعددة والتي تعدت المحيط الهندي، وتجاوزت الأبيض المتوسط، وبالرغم من التغير الزمني واختلاف السياق التاريخي؛ إلا أن متطلبات الكهنوتية السلالية لم تختلف عن متطلبات أجدادهم من كهنة الآل، ولم تزل كما هي، والمتمثلة بفتح الطرقات والمسارات الآمنة من أوساط دول محددة، وما تبدل فقط هو المسمى (معركة وعد الآخرة)!.
وبالمقابل، عند النظر إلى المحصلة النهائية، والنتائج الواقعية على الأرض، ومستوى التأثير على الطرف الآخر، والأهداف المحققة حتى تاريخه؛ ستجد أنها عبارة عن احتجاز سفينة الشحن "غالاكسي ليد"، والتي كانت فارغة تماماً من أي شحنة، وهذا يثير تساؤلاً لمن يفهم بأبجديات سلاسل التوريد والإمداد، ويدرك بمتطلبات الاستفادة القصوى للذهاب والإياب للعمليات اللوجستية؛ ولكنها -في نهاية المطاف- أصبحت معلماً للزيارة، ووجهة للسياحة، وباعثاً للتضليل ومصدراً للدخل!. بينما السفينة الثانية المخصصة للبضائع السائبة "روبيمار" التي تم إغراقها، فإن سجل بياناتها مشبوهة، وهنالك استفهامات عديدة عما كانت تحمل على متنها من مواد وأسمدة ومبيدات ونفايات يراد التخلص منها!.
وعند التمعن في السياق الاقتصادي، فقد أدى ذلك إلى ارتفاع سعر تأمين الشحن، وارتفعت إيرادات شركات التأمين التي معظمها أجنبية، وتضرر المواطن البسيط الذي لا يجد قوت يومه!. وفي السياق السياسي، فقد أوجد ذلك المبررات لتعزيز وتكثيف تواجد الطرف الآخر، ويراد كذلك دفع الدول المستقرة بطرق غير مباشرة إلى أحضان القريب المعزول، وطلب حماية البعيد المسيطر!.أما المُسَيرات، وأنابيب الفرط الصوتي، والزوارق والغواصات، فلا توجد أي إحصائية تشير إلى تضرر الطرف الآخر أو حتى إراقة دم طائر في أجوائها، وعلى العكس، ما تم تناقله تمثل فقط بالقضاء على من كانوا على متن الزوارق من أبناء القبائل المضلل والمغرر بهم!.
اخيراً، عدد القتلى من أبناء الأرض اليمنية دهساً من التدافع الناجم عن الفقر والفاقة والتجويع الممنهج من قبل الكهنوتية السلالية وقفازاتها القذرة، تجاوز عدد من تضرر من حصيلة مفرقعات الفرط الصوتي لثمانية أشهر!. وعدد من قتل عمداً داخل مسكنه عبر تفجير المنازل بمديرية رداع بمحافظة البيضاء، تعدى بكثير عدد من تأذى عبر المسَيرات الرائجة!. وعدد من توفى نتيجة الإصابة بالأمراض والأورام الخبيثة، بسبب إدخال المبيدات المحرمة والممنوعة والمنتجة من قبل شركات الكيان، يتعدى كثيراً عدد من أصفرت جلودهم فزعاً من مراحل التهديدات المتعددة، واغرورقت عيونهم من خوف تصعيدات الخيارات الحاسمة!. واقعياً، من أوصل تلك المليشيات إلى عواصم بعض الدول الهشة عبر وكلاء الوكلاء، ومن خلال المفاوضات المرحلية، وعبر الاتفاقيات التدريجية، والبعثات المتجددة، -هو نفسه- من تَدعي المليشيات اليوم أنها تحاربه!. كما أن الطرف الوحيد القادر على إخراج تلك المليشيات، واستعادة المؤسسات والدولة، هم أبناء الأرض من الوطنيين الصادقين الأحرار.