إيران والغرب.. صراع أم تخادم؟!
الصراع بين إيران والغرب صراع حقيقي وليس مسرحية زائفة، ولكنه ليس صراعا صفريا لا يقبل النسبية، فهناك مساحة من التخادم تفرضها المهددات المشتركة وتقاطع المصالح بين الطرفين، وتؤكدها الوقائع والأحداث طوال أربعة عقود ونيف من عمر الثورة الخمينية.
التحليلات السطحية والأحكام الجاهزة المبنية على الشحن العاطفي والمتأثرة بضغوط الواقع وإعلام الحرب النفسية للطرفين لن تعطي صورة حقيقية لهذه العلاقة، ولن تقدم لنا -نحن الشعوب العربية المطحونة- حلولا عملية أو حتى معلومات مفيدة.
للأسف.. هناك بعض التحليلات من الكتاب العرب تبدو وكأنها صادرة من مطابخ الدعاية الصهيونية، وأخرى كأنها صادرة من مطابخ الحرس الثوري الإيراني، وهذا دليل على التخبط وعمق الأزمة الفكرية التي نعاني منها، وهذا هو عين ما يسمى بإعلام الفتن (وفيكم سماعون لهم).
منذ قيام الثورة الخمينية قبل أكثر من أربعة عقود، وهناك جولات من الصراع الفعلي مع الغرب كادت أن تصل في بعض محطاتها إلى مستوى الحرب المباشرة كما في: حرب الناقلات في الثمانينات، وحرب تموز بين حزب الله واسرائيل، ومقتل الجنرال قاسم سليماني، والدعم الإيراني لحركة حماس، ونذر الحرب الجارية هذه الأيام بعد عملية طوفان الأقصى.
بالمقابل هناك محطات من التخادم المكشوف بين الطرفين وصل في بعض الأوقات إلى مستوى التحالف، كما في: الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان، وقبل ذلك أثناء الثورة الخمينية نفسها لتصفية حركات اليسار الشيوعية، ثم ما عرف بفضيحة "إيرانكونترا" أثناء الحرب العراقية الإيرانية.
إذن الصراع بين الطرفين حقيقة موضوعية، وكذلك التخادم حقيقة موضوعية، وإنكار أي منهما يعتبر تحليل أمنيات أكثر ما هو قراءة سياسية علمية.
إسرائيل ليست طرفا مستقلا في هذا الصراع والتخادم، بل هي جزء أصيل من الطرف الغربي، فهي ذراع غربي، وحالتها الوظيفية كما هي حالة حزب الله والأذرع التابعة للحرس الثوري الإيراني. وبالتالي لم نفردها في قراءتنا هذه كطرف مستقل.
خلاصة القول:
للصراع بين إيران والغرب أسبابه، أبرزها: تعارض المصالح في الخليج النفطي والمضايق البحرية، وتضاد مشروعي فارس الكبرى وإسرائيل الكبرى في منطقة اشتباك واحدة من الفرات إلى النيل، والإرث التاريخي بين فارس والروم، وموقع إيران الجيوسياسي، والتمحورات الدولية وأصطفاف إيران ضمن المعسكر الشرقي المناوئ للغرب، وأخيرا البرنامج النووي والصاروخي الإيراني وخروج إيران عن قواعد الدولة الوظيفية التي يريدها الغرب.
بالمقابل للتخادم أسبابه، أهمها سبب رئيس هو: وجود مهددات مشتركة، ونقصد بها المشاريع التي تمثل بالنسبة للغرب خطرا أكبر من الخطر الإيراني وبالنسبة للنظام الإيراني تهديدا وجوديا أكبر من الغرب. وأبرزها: الخطر الشيوعي السوفيتي سابقا، والقومية العربية، والمكون الحضاري السني، والحركات الإحيائية السنية في البلاد العربية وشبه القارة الهندية والعثمانية الجديدة في تركيا.
أمام هذه المعطيات الموضوعية نستطيع القول: إن الصراع بين الطرفين صراع حتمي وحقيقي ومستمر، ولكنه سيظل في مستوى النسبية بسبب وجود المهددات المشتركة، ولا يمكن أن يصل إلى مستوى الصفرية والحرب المفتوحة إلا في حالة زوال خطر تلك المهددات أو ضعفها الشديد.