المشهد اليمني
الخميس 10 أكتوبر 2024 12:47 صـ 6 ربيع آخر 1446 هـ
المشهد اليمني رئيس التحريرعبد الرحمن البيل

جامع الجند وجامع صنعاء.. أيهما بني أولاً؟ (2-3)

3.237.15.145

نحن إذ نكتب عن هذين المعلمين الاسلاميين الهامين في اليمن، ليس لمجرد الانطباعات، او تحيزاً وتعصباً، وإنما بأدلة قاطعة وشواهد تاريخية، وأحاديث نبوية، حتى وإن لم تعجب البعض، ولا يمكن تزوير التاريخ الذي طوعته الإمامة لصالحها في اليمن.

...

تذكر بعض الروايات التاريخية أن معاذ بن جبل مر على صنعاء أولاً يقرأ كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قبائلها وأهلها، وعلى رأسهم بنو الأسود، فأتاه صناديدها فقالوا: يامعاذ هذا نزل قد هيأناه لك ومنزل قد فرغناه لك، فقال: ما هذا أوصاني حبيبي"( قرة العيون: صـ76)، ومعنى هذا أنه لم يستقر أبداً ولم يقم ببناء مسجد صنعاء الذي قال به الأكوع، وكان حريصاً على تنفيذ وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- بحذافيرها، كما يستشف من الحديث ورده على أهالي صنعاء (ما هكذا أوصاني حبيبي).

وأنا أقول: إن مسجد الجند بني قبل مسجد صنعاء بعامين، ونبين في ذلك شواهد متعددة، وأولاها: ما ذكره المؤرخ الأكوع محمد بن علي بقوله: "وقال في الجزء الثاني من الإكليل: وأما مساجدها (يعني اليمن)، فمسجد صنعاء ومسجد صعدة، ومسجد الجند. وكل هذه المساجد بنيت على مبارك ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ..قلت: وناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم تكن إلا مع معاذ، ويتبين من هذا أن معاذاً هو أول من بنى المساجد المذكورة، وهو الصحيح والقول ما قالت حذام"(أورد هذا القول المؤرخ محمد الأكوع في هامش كتاب قرة العيون- لابن الديبع- صـ67).

وثانيها: حديث وبر نفسه السابق وحديث ابن عباس الذي ذكر وجع رسول الله، ومقتل الأسود العنسي وجاء بناء الجامع بعد مقتل الأسود بحسب وبر نفسه، وهذا الوجع هو الذي توفي به النبي -صلى الله عليه وسلم- في السنة الحادية عشرة للهجرة، ولا يوجد دليل أقوى من هذا الحديث لتاريخ بناء جامع صنعاء.

وثالثها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذاً إلى اليمن ليجبره من دين كان قد أغرقه، وذلك "أن ديناً أغلق ماله كله، فجاء فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فطلب إليه أن يسأل غرماءه أن يضعوا له فأبوا، ولو تركوا لأحد من أجل أحد لتركوا لمعاذ من أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فباع النبي - صلى الله عليه وسلم - ماله كله في دينه حتى قام معاذ بغير شيء، حتى إذا كان عام الفتح فتح مكة بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى طائفة من أهل اليمن ليجبره"(قرة العيون- لابن الديبع- صـ75)..

وفي هذا دلالة أخرى على أن إرسال معاذ إلى اليمن كان في نهاية العام الثامن للهجرة عام الفتح وإن وصل في العام التاسع، وليس كما قال البعض كان في السنة العاشرة للهجرة. ولكن رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ملوك الجند تدل أنه بعثه بعد تبوك وهو راجع من معركتها، من خلال رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسلها إلى ملوك المعافر مع مالك بن مرة الرهاوي من أبناء الجند، وهي طويلة نستشهد بما يهمنا في هذه الجزئية، على النحو التالي:

"بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله النبي، إلى الحارث بن عبد كلال، وإلى نُعيم بن عبد كلال، وإلى النعمان: قيل ذي رعين ومعافر وهمدان.

أما بعد ذلكم، فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإنه قد وقع بنا رسولكم منقلبنا من أرض الروم، فلقينا بالمدينة، فبلّغ ما أرسلتم به، وخبّرنا ما قبلكم، وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم من المشركين، وأن الله قد هداكم بهداه ...

أما بعد: فإن رسول الله محمداً النبي أرسل إلى زرعة ذي يزن، أن إذا أتاكم رسلي فأوصيكم بهم خيراً: معاذ بن جبل، وعبدالله بن زيد، ومالك بن عبادة، وعقبة بن نمر، ومالك بن مرة وأصحابهم. وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية من مخالفيكم، وأبلغوها رسلي، وإن أميرهم معاذ بن جبل، فلا ينقلبن إلا راضيا.( سيرة بن هشام: ج4/232، 233). ولننظر إلى قوله: فإنه قد وقع بنا رسولكم منقلبنا من أرض الروم، فلقينا بالمدينة، فهو دليل كافٍ على إرسال معاذ في السنة التاسعة للهجرة، وأيضاً على إسلام اليمنيين قبل وصول معاذ إلى الجند، وليس صحيحاً أنهم أسلموا بعد إرساله؛ لأن معاذاً أرسله الرسول -صلى الله عليه وسلم- والياً ومفقهاً لهم في الدين، بعد إسلامهم.

.... يتبع