المشهد اليمني
الخميس 10 أكتوبر 2024 01:11 صـ 6 ربيع آخر 1446 هـ
المشهد اليمني رئيس التحريرعبد الرحمن البيل

سر الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل (الحلقة الثالثة)

3.237.15.145

الدعم الأمريكي للصهيونية و(إسرائيل) دعم على كل المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية. ولم تتوقف أمريكا يوماً عن تسخير كافة المحافل الدولية لهذا الدعم، ويستوي في ذلك كبار الساسة الأمريكيين ومنظماتهم وأحزابهم ومنظروهم ورجال دينهم وغيرهم.

وقد تحدث الرئيس الأمريكي كارتر أمام الكنيست الإسرائيلي في مارس عام 1979م قائلاً: "لقد آمن سبعة رؤساء أمريكيين وجسدوا هذا الإيمان، بأن علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع (إسرائيل) هي أكثر من علاقة خاصة، بل هي علاقة فريدة؛ لأنها متجذرة في ضمير وأخلاق ودين ومعتقدات الشعب الأمريكي نفسه.. لقد شكل (إسرائيل) والولايات المتحدة الأمريكية مهاجرون طليعيون ونحن نتقاسم تراث التوراة"( ).

وهذا جيري فولويل، أول سياسي أمريكي يتطرف بالقول: "إن دعم الولايات المتحدة الامريكية لـ(إسرائيل) ليس من أجل مصلحة (إسرائيل)، ولكن من أجل مصلحة الولايات المتحدة نفسها.

بل ويقول في إحدى خطبه: "إن الوقوف ضد (إسرائيل) هو معارضة لله"، ويشير في أدبياته باستمرار إلى ما يسميه "وعد الله لإبراهيم منذ أربعة آلاف عام، سأبارك من يبارك (إسرائيل) وألعن من يلعنها. ومن هذا الموقف اللاهوتي فإنه على الولايات المتحدة الأمريكية أن لا تتردد في تقديم كل الدعم المالي والعسكري إلى (إسرائيل)". وقد اعتبر قيام (إسرائيل) عام 1948م ليس كمفتاح للنبوءات التوراتية فحسب، ولكن كعلامة على ما أسماه "مباركة الله ووفائه لشعب الله"( ).

من هنا نعرف أن المشروع الصهيوني وحروبها المستمرة في المنطقة العربية هي في الأساس مشروع حربي استعماري أمريكي بغطاء ديني يهودي معززاً بالثقافة المسيحية الدينية.

فالدعم المالي والعسكري الأمريكي لـ(إسرائيل) يُقدم بلا حدود، ولا تملك الولايات المتحدة أن تصده عن (إسرائيل)، تقول جريس هالسل: "عندما عدت إلى واشنطن [من فلسطين] قابلت بول فندلي؛ العضو الجمهوري السابق في لجنة العلاقات الخارجية. كان ممثلاً عن منطقة إيليونيس التي أرسلت إلى الكونجرس في عام 1846 إبراهام لنكولن.

كان فندلي يروج لكتابه "من يجرؤ على الكلام؟"، والذي يتعلق بالكونجرس واللوبي الإسرائيلي.

أخبرت فندلي بما قاله لي بعض الأصوليين من أنه على الولايات المتحدة أن تقدم لـ(إسرائيل) كل ما تريده من المال "لأن الله يريد منا أن نفعل ذلك". وسألته: هل من رأيه أن على الشعب الأمريكي أن يصوت على إرسال المزيد من بلايين الدولارات إلى (إسرائيل)؟، فرد قائلاً:

"لا توجد فرصة أمام الشعب الأمريكي نفسه ليصوت على موضوع إرسال بلايين الدولارات كمساعدات خارجية".

وقال إن التصويت يقوم به مجلسا الشيوخ والنواب. وفيما يتعلق بصفقات المساعدة لـ(إسرائيل)، فإن الكونجرس يصوت دون استثناء، وبأكثرية ساحقة على إرسال الكميات من الأموال التي تحتاج إليها (إسرائيل).

الكونجرس يستطيع أن يسأل، وهو يسأل بالفعل عن المساعدات التي ترسل إلى أية دولة أخرى، أو عن المساعدات المخصصة للتغذية في المدارس، وللأمهات الحوامل، أو لتطوير برامج الضمان الاجتماعي؛ غير أن الكونجرس يوافق دائماً على المساعدات لـ(إسرائيل).

إن (إسرائيل) بأربعة ملايين فقط من السكان هي بلا منازع المستفيد الأول من برنامج مساعداتنا"( ).

وهناك أكثر من مصدر قوة لهذا اللوبي العامل في أمريكا، فمثلاً "من مصادر قوة اللوبي الإسرائيلي استخدام الموظفين المؤيدين لـ(إسرائيل) في الكونجرس. فكما قال موريس أميتاي؛ الرئيس السابق للإيباك: "هناك العديد من الأمريكيين العاملين هنا -في كابيتول هيل- يهودا يرغبون في النظر إلى قضايا معينة بمنظار يهوديتهم.. وهؤلاء كلهم في موقع يمكنهم من صياغة القرارات في هذه الأمور لأولئك الشيوخ .. ويمكن إنجاز قدر هائل مخيف من القرارات هنا على صعيد الموظفين"( ).

قامت الولايات المتحدة في هذه الحرب الأخيرة (2023) الصهيونية على غزة بإنشاء جسر جوي عسكري بمختلف أنواع الدعم العسكري والسلاح النوعي وصل حتى اليوم الخامس والستين من الحرب إلى 200 طائرة عملاقة محملة بمختلف العتاد العسكري، ناهيك عن 7 مليارات دولار دعماً لهذه الحرب، ويوم أمس فقط قامت إدارة بايدن ببيع 45 ألف قذيفة دبابة لإسرائيل دون الرجوع للكونجرس، ناهيك عن ما يمثله هذا العدد والكمية من دلالات لمواصلة الحرب وتدمير غزة بدعم أمريكي.

كما يعزى نجاح "الإيباك" إلى مقدرتها على مكافأة المشرعين والمرشحين للكونجرس الداعمين لبرنامجها، ومعاقبة أولئك الذين يتحدونها (الإيباك/اللوبي)..المال عنصر حاسم في الانتخابات الأمريكية، وتسعى الإيباك على الدوام للتأكد من حصول أصدقائها على دعم مالي قوي من لجان الدعم السياسية العديدة المؤيدة لـ(إسرائيل).

ففي انتخابات عام 1984 أسهمت "الإيباك" في إنزال هزيمة بالسيناتور تشارلز بيرسي من إلينوي الذي "أبدى عدم اهتمام وبلادة، بل وعداوة لاهتماماتنا"، كما قال أحد أعضاء اللوبي البارزين. وشرح رئيس الإيباك توماس داين ما جرى قائلاً: "اليهود كلهم في أمريكا من الساحل إلى الساحل اجتمعوا لإسقاط بيرسي، ومن ثم وصلت الرسالة إلى السياسيين الأمريكيين الذين يحتلون الآن مواقع، والذين يتطلعون إلى احتلال مواقع في المستقبل"( ).

ولم يكن بيرسي وحده ضحية اللوبي في الولايات المتحدة في الانتخابات وإزاحته من الكونجرس، بل إن سينثيا مكيني وهي من الأمريكيين السود دفعت نفس الثمن وأزيحت لمناصرتها القضايا العربية ووقوفها ضد غزو العراق، إذ تقول: "بصراحة تامة يمكن أن أجيب عنك بكلمة واحدة، المال، في الولايات المتحدة يحتاج المرء إلى كميات هائلة من المال لكي يترشح ويخوض حملات انتخابية، وهذا كل ما في الأمر ببساطة، وعندما تتحدث عن حملات انتخابية للكونجرس فإن الأموال تبلغ الملايين والملايين من الدولارات وهذا هو ما حدث في سباقي للترشح، فقد كانت أحاطت بنا في وقت ظروف مؤسفة حيث قامت لجنة (إيباك) أعلنت في حينه وبشكل علني وواضح في تقارير نشرتها الصحف.

نسبت إليَّ مجموعة من الأقوال حسب زعمهم، إيباك وهي لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية وتعتبر في المقدمة وربما الأقوى من بين مجموعات اللوبي المؤيدة لإسرائيل، وأكثرها بروزاً في الولايات المتحدة في العاصمة واشنطن DC، وكانت هناك مقالات في الصحف والمجلات أعلنت إن إيباك تستهدفني من أجل هزيمتي، وكذلك أنه بمجرد ما أن يصبح المرء هدفاً فإن ذلك يعني إنفاق كميات هائلة من المال للحملة الانتخابية، ومن حيث الأساس، ومن خلال التنسيق والتعاون مع مجموعات الجمهوريين اليمينية الراديكالية وقلة التأييد من الديمقراطيين أو الحزب الديمقراطي المؤسس –إن صح لنا أن نسميه ذلك- استطاعوا أن يغيروا تصويتهم في الانتخابات الأولية، عشرات الآلاف منهم ونحن نقدر إن ما يقرب من 40 ألفاً من الناخبين غيروا نهجهم في التصويت، وفي الانتخابات الأولية، فكيف لك أيضاً أن تكون هناك انتخابات منصفة؟ هذا ما حصل وإيباك قد أعلنت أنهم يستهدفونني وحملتي الانتخابية لكي يلحقوا الهزيمة بي"( ).

من هنا كانت العلاقة الوطيدة بين المصالح الإسرائيلية الصهيونية وبين الصهيونية المسيحية الأمريكية حتى لا يجد المتتبع فارقاً بين سياسيي الولايات المتحدة والسياسيين الإسرائيليين الصهيونيين، ويفرح الصهاينة المسيحيون لكل حدث يكون في صالح اليهود و(إسرائيل).

فقد قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأمريكي "هنري كابوت لودج" في مدينة بوسطن عام 1922م: "إنني لم أحتمل أبداً فكرة وقوع القدس وفلسطين تحت سيطرة المحمديين .. إن بقاء القدس وفلسطين المقدسة بالنسبة لليهود والأرض المقدسة بالنسبة لكل الأمم المسيحية الكبرى في الغرب، في أيدي الأتراك، كان يبدو لسنوات طويلة وكأنه لطخة في جبين الحضارة من الواجب إزالتها"( ).

ويقول بول فيندلي إن السبب في سيطرة اللوبي الصهيوني على الكونجرس الأمريكي.. "إن في الولايات المتحدة مسألة السياسة الخارجية في الشرق الأوسط ليست قضية سياسة خارجية بل هي حقيقة قضية سياسة داخلية، الرئيس والكونجرس يتجاوبون تجاه الضغط الذي يمارسه اللوبي المؤيد لإسرائيل.. وهو لوبي مؤثر جداً وأرعب الكونجرس بشقيه الكونجرس والسيناتور ووجدوا أساليب للتحكم حتى بالرئيس نفسه"( ).

وأمام هذا كله من الدعم اللامحدود بل والزواج السياسي والديني الكاثوليكي بين الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية، وأمام من يعتقد أن القدس هي المدينة التي سيحكم المسيح العالم منها عند قدومه الثاني، فإن السؤال الذي ينبغي أن يعرفه كل فلسطيني في المقال الأول، وكل عربي في المقام الثاني، وكل مسلم في المقام الثالث، هو: كيف من يعتقد هذا الاعتقاد يمكنه أن يفاوض على السلام ويسلم القدس؟!

ما سبق يفسر لنا ولكثير من الذين يراهنون على أن اليهود والأمريكان يمكنهم أن يقدموا سلاماً أو يوقعوا معاهدة أو يتنازلوا عن القدس، إنما هم واهمون؛ إذ لم يكد ينهي الرئيس الأمريكي بوش الإبن خطابه حول السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفي حين لم يتبخر دفء المقاعد على الطاولة التي جلس عليها الوفدان المتفاوضان على السلام (الإسرائيلي والفلسطيني)، حتى أعلن رئيس الوزراء الصهيوني إيهود باراك عن إنشاء مجموعة من المستوطنات حول القدس، وهذا ما يترجمونه عملياً في خططهم وتنظيراتهم.

حتى أن بات روبرتسون -أحد كبار المتشددين المسيحيين المتصهينين ومن على شاكلته من قادة هذا الائتلاف (المسيحية الصهيونية-تيار الألفية)- يقفون موقفاً متشدداً جداً من أية خطوة تتخذ تجاه عملية سلام في فلسطين، ولم يكتف برفض عملية السلام التي وقعها رابين مع ياسر عرفات في أوسلو، بل زعم أن الله قد عاقب رابين بالموت؛ لأنه وقف في طريق تحقيق النبوءة الإنجيلية، وأنه هو سيواجه المصير نفسه إذا ما وقف في طريق الخطة الإلهية.

ولهذا عمل المتشددون الإنجليكانيون والصهاينة اليهود على قتل رابين عقاباً على قبوله عملية السلام، مما يفهم على أن أي مسؤول (إسرائيلي) مهما كانت قوته وجرأته السياسية، فإنه لن يجرؤ على توقيع سلام مع الفلسطينيين والعرب حتى لا يتعرض إلى النهاية ذاتها التي تعرض لها رابين.

وما قيام (إسرائيل) بتوقيع اتفاقيات سلام مع مصر والأردن –رغم أنها منقوصة- إلا زيادة في تكبيل فلسطين وإمعاناً في تكريس الاحتلال، ويعني كذلك تأمين حدود فلسطين المحتلة من أي اختراق مساند للفلسطينيين على المستوى الشعبي والمقاومة، وزيادة في العزل.. هذه الاتفاقيات تلزم الموقعين على تأمين حدود (إسرائيل) وشل المقاومة وكبحها وتقييد العمل المسلح وأداء مهمة حراسة الحدود دون عناء إسرائيلي يبقي الاحتلال أمداً طويلاً وسيطرة تامة دون تنغيص لوجوده. ولذلك مما قيل عن اتفاقية كامب ديفد الأولى أنها استرجعت سيناء –رغم أنه استرجاع منقوص- وسٌلمت مصر كلها إلى (إسرائيل).

لقد كانت حرب الخليج الثانية؛ حرب تحرير الكويت ظاهرها التحرير وإخراج صدام وجيشه من الكويت، لكن أبعادها كانت بالنسبة لأمريكا مقدسة. ولقد ذهب بوش الأب الى الكنيسة ليصلي للرب لكي ينصره في هذه الحرب، وكانت لإزالة خطر داهم على (إسرائيل) كما يقولون بصراحة، ولقد كانت زلزالاً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى على الأمة العربية والإسلامية، وقوة للإسرائيليين، وباعتقادي فإنها مثلت لهم أقوى نصر يحققونه بعد 1967م، لتحقيق أحلامهم التوراتية من عدة نواحٍ أهمها شرعنة التواجد الأمريكي في قلب الأمة العربية للتحرك بحرية نحو أية غاية يقصدونها، وثانيها: إصابة القضية العربية الإسلامية المركزية الأولى في نكسة وهي فلسطين؛ لأن الطرف الأقوى المنتصر بعد ذلك سيطر على ملف القضية والتحكم فيها كونه بلا منازع أو منافس يستخدمها متى يشاء ويجمدها متى يشاء، وبالتالي بدأ مسلسلات التنازلات عنها وتقطيع أوصالها بالمفاوضات بدءاً من مدريد وأوسلو، وكانت الضغوط على منظمة التحرير الفلسطينية عربية وعالمية لتقديم مختلف التنازلات. فلقد ذكرت إحدى المجلات العربية أنه عام 1991م حينما كان مقر جامعة الدول العربية لا يزال في تونس قبل أن تنقل إلى مصر، كان الرئيس الراحل ياسر عرفات يعيش في تونس، فضغط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي على ياسر عرفات إما أن يفاوض ويقبل بالشروط الأمريكية، وإما أن يرحل من تونس وترحل معه منظمة التحرير، مقابل ذلك استلم الرئيس بن علي خمسة بلايين دولار.

كذلك كان تحريك ملف القضية الفلسطينية والشروع في مفاوضات غير جدية والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية من أجل منح الفلسطينيين بعض حقوقهم المسلوبة هو الطعم الذي قدمته الإدارة الأمريكية للدول العربية من أجل القبول بالتواجد الأمريكي في المنطقة وانضمام الأنظمة العربية الى التحالف الدولي ضد العراق وامتصاص غضب الجماهير العربية من أي تواجد أمريكي في المنطقة، الأمر نفسه يتكرر مع كل حادثة جديدة تكون الولايات المتحدة بحاجة الى تمرير سياسة جديدة على المنطقة وحاجتها الى وقوف عربي بجانبها، وعلى سبيل المثال حين احتاجت الولايات المتحدة الى الدور العربي في غزو العراق عقد اجتماع رباعي أمريكي -(إسرائيلي)- أردني وفلسطيني في ميناء العقبة الأردني في بدايات عام 2003 قبل غزو العراق بشهر فقط، حين كان محمود عباس (ابو مازن) رئيساً للوزراء في فلسطين كان هو ممثل الجانب الفلسطيني، وإلقائه خطاباً غير الخطاب الذي اتفق به مع رئيسه ياسر عرفات، فأغضب عرفات وبدأت بينهما مرحلة الطلاق السياسي، ليبدأ أبو مازن يلعب لعبته مع أطراف دولية ليرث مكان عرفات وهو لا يزال حياً، وكيف كانت نهاية عرفات بعد ذلك.

وكان إلى جانب (أبي مازن) شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي، وبوش الإبن، والملك عبدالله الأردني، تعهد بوش الإبن؛ رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بإقامة الدولة الفلسطينية في عام 2005 مقابل تعاون عربي كامل لتسهيل غزو العراق، ومضى الزمن واحتُل العراق، وها نحن في نهاية عام 2009 ولم يتحقق من ذلك شيء، بل إن الرئيس الأمريكي بوش تبنى المطالب الإسرائيلية حرفياً، كان آخر هذه المطالب الاعتراف بيهودية الدولة كأهم الشروط لأية مفاوضات حول الدولة الفلسطينية..

...... يتبع