المشهد اليمني
السبت 27 يوليو 2024 04:34 صـ 21 محرّم 1446 هـ
المشهد اليمني رئيس التحريرعبد الرحمن البيل
”صوت الجماهير يُسمع: صافرات استهجان تلاحق إسرائيل في حفل افتتاح الأولمبياد” صراع قبلي يكاد يمزق نسيج المجتمع في قعطبة.. ثم يأتي الصلح ليلئم الجراح ”أنتم الآن أقرب إلى حرب عالمية ثالثة”.. ”ترامب” يحذر ”نتنياهو” مما سيحدث في الشرق الأوسط إذا خسر في انتخابات الرئاسة الأمريكية ”صوروا كلامي هذا وارسلوه للحوثي، لسنا خائفين منك”... قبيلة أرحب تتحدى الحوثيين (فيديو) ”مقترح غير متوقع: عفو مقابل بناء مستشفى لروح الطفلة حنين البكري” ”ميليشيا الحوثي تثير الفتنة: لافتة طائفية تهدد النسيج الاجتماعي في اليمن” تطور خطير.. الكشف عن رحلة سرية لإحدى طائرات اليمنية من مطار صنعاء إلى العاصمة ”اللبنانية” بيروت ”أين التراث اليمني؟ صحفي رياضي يفجر قضية الزي في حفل افتتاح أولمبياد باريس” ”اختطاف الجندي المدافع عن عدن: رحلة البحث المؤلمة في سجون عدن السرية” سوق السلاح في عدن.. ظاهرة مستمرة تتحدى القرارات وتثير المخاوف قوات الانتقالي الجنوبي تصدر تصريح هام وتتحدث بشأن قضية علي عشال شخصية جنوبية شهيرة تصل صنعاء...وقيادات حوثية ترحب

شوارد عن الرحلة من الحجر إلى الصاروخ

ما يحدث على الأرض الجريحة فلسطين من تطورات بدءً من "طوفان الأقصى" وما تبعها من جنون صهيوني يمكن النظر إليه من الجانب المشرق رغم ما يبدو ظاهراً من ظلمةٍ وسوادٍ كالح ، وأقصد بذلك أن تحليل الأحداث والنتائج - على الأقل حتى الأن - ينبئ عن واقع جديد تفرضه المقاومة الفلسطينية سيشكل بالتأكيد فرقاً ويصنع إنجازاً لصالح القضية الفلسطينية بشكلٍ عام ، وهذا الواقع الجديد الذي أعنيه تبدو ملامحه ظاهرة وأهمها التحول العسكري الاستراتيجي الذي ظهر للعيان لأول مرة عبر القدرة على إرباك العدو الصهيوني عسكرياً واستخباراتياً رغم امتلاكه لكافة مقومات وإمكانات التفوق العسكري واللوجستي والبشري ، وهذا الإرباك لم يكن عفوياً أو جاء كقرار موقفي بل كان مخططاً ومدروساً بعناية ، وهذا معناه القدرة على تنفيذ نسخ أخرى منه أكثر تطوراً وتأثيراً .

طوال العقود الماضية ظلت قضية تحرير فلسطين حاضرة بقوة لدى أبنائها بالمرتبة الأولى ، ولدى الشعوب العربية التي تؤمن أن هذه المهمة تخص الجميع ولا تنحصر على شعب بعينه كما تسوّق دوائر القرار الغربية والإسرائيلية والتي تسعى للاستفرارد بالفلسطينيين وتصفية قضيتهم بعيداً عن محيطهم العربي والإسلامي ، وتبني على هذه التدليسات في محاولاتها لتطبيع علاقاتها مع الدول العربية ، ورغم نجاحها في تحقيق هذا الحلم على مستوى أصحاب القرار في كثير من الدول العربية لكن الفشل الذريع كان ملازماً لها مع الشعوب التي تفصلها فجوة كبيرة عن دوائر القرار الرسمية في بلدانها وخاصة في النظر إلى هذه القضية .

اجزم أن هذا الحضور للقضية الفلسطينية لدى الشعوب العربية والإسلامية والتمسك بعدالتها ومسؤولية الجميع عنها شكّل دافعاً وحافزاً مهما لدى أصحاب الأرض الذين خاضوا معركة طويلة تمتد منذ نكبة 1948م مروراً بنكسة 1967م وماتلاها من مسلسل طويل من الخيانات تحت لافتات مختلفة قد تبدو براقة لكنها في المحصلة كلها تصب في تأصيل الاحتلال والتعامل معه كأمر واقع حتمي ، وإنهاء الوجود العربي في فلسطين ، لكن كل هذا النهج المركّز لم ينجح في محو القضية لدى أصحاب الأرض والحق الذين دفعوا الضريبة الأكبر في التاريخ القديم والحديث ، ومن اللافت أن "الحجارة" كانت هي وسيلة الدفاع الوحيدة التي تمكنوا من استخدامها بعد أن تخلى عنهم القريب والبعيد .

استمر أصحاب الحق والأرض بحمل القضية ولسان حالهم : "ليس المهم بماذا لكن المهم أن تقاوم ... وإن قتلوك ، أو هجّروك ، أو سجنوك ، أو هدموا منزلك ، وإن عدمت الحيلة فارمهم بالحجارة.." وأضحت ثورة الحجارة التي يقابلها الرصاص الحي حاضرة في كل أرجاء فلسطين وتحوّلت إلى تراث وثقافة وأدب وفن ، وصار المقلاع رمزاً وطنياً ، ورامي الحجارة بطلاً شعبياً ، ورغم أن هذا الفعل المقاوم لا يمثل عسكرياً وميدانياً أي جدوى لكنه نجح في حفظ فضيلة المقاومة ونبذ رذيلة الاستسلام ، وتشكيل أرضية شعبية رافضة لوجود المحتل ، ثم تطورت وتمحورت لاحقاً وبشكل متدرج إلى عمل مقاوم منظم ومدرب يعتمد على فنون حربية وقتالية وأسلحة متطورة حديثة صحيح لم تعد الحجارة احدها لكنها شكلت الأساس الذي عليه اتكأ المقاومون في حفظ القضية وبقائها حاضرة متجددة على مدى خمسة وسبعون عاماً .

اليوم تتغير المعادلة كلياً وتصبح الصواريخ وما في حكمها هي سلاح المقاومين بالإضافة إلى تكتيكات عسكرية قادرة على تحقيق تفوق ميداني ، ولعلي أجزم أن عملية "طوفان الأقصى" كانت عملية تدريبية أو استطلاعية لاغير ، وأن ما يعد أكبر بكثير مما تم تنفيذه ، وهذا ما تدركه اسرائيل جيداً فتتهرب من المغامرة البرية إلى القصف الانتقامي ، وتكسب المزيد من الوقت في انتظار أي وساطات وتدخلات تحت لافتة الوضع الانساني تحفظ لها ماء وجهها الذي انسكب على أيدي جيل عَبَر الرحلة الطويلة الصعبة من الحجر إلى الصاروخ ، وفي مسيره هذا تمكن من صنع معادلة ردع جديدة في جعبتها الكثير من المفاجآت الغير متوقعة .

رغم الوجع فما يحدث يبعث الأمل ، والقادم سيكون أجمل ، وكل الدماء التي تُسكب اليوم ستزهرُ حريةً وتحرراً ، وفي الخلاصة فمن تمسك بقضيته وذاد عنها بالمقلاع والحجر بيده اليوم صواريخ ومسيرات وخطط وتكتيكات ومفاجآت وقادر على تحديد ساعة الصفر متى ما شاء ، وتلك ميّزة اصحابها منتصرون .

دمتم سالمين .