الإثنين 9 ديسمبر 2024 12:30 مـ 8 جمادى آخر 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

عبدالرقيب عبدالوهاب.. لماذا اغتيل بطل السبعين؟! (11)

الأربعاء 27 نوفمبر 2024 10:17 صـ 26 جمادى أول 1446 هـ

تصفية عبدالرقيب عبدالوهاب(2)

رابعاً: رواية اللواء أحمد حنظل

هي رسالة تعقيبية على مقال كتبه القيادي الناصري حسن الدولة عن استشهاد عبدالرقيب عبدالوهاب، جاء فيها:

أستاذ حسن:

إسمح لي أعطيك بعض الحقائق عن اللحظات الأخيرة للشهيد عبدالرقيب، حيث عاد كل القادة المبعدين من الجزائر الي صنعاء، ولم يعد معهم عبد الرقيب وحمود ناجي قايد المظلات وعبد الرقيب الحربي، حيث توجهوا إلى عدن. إلا أن الشهيد عبد الرقيب عبد الوهاب عاد من عدن الي جبل المدور الذي به الهوائيات بجانب جبل ظفار حيث كان يتمركز فيه جنود من الصاعقة.

ومن المعسكر أرسل رسالة للمرحوم اللواء حسين الدفعي باعتبار الدفعي صديقاً يثق به، طلب منه لقاءً خاصاً، وبالفعل حصل اللقاء، ودار نقاش بينهما أفضى أن يتولى الدفعي إقناع الفريق حسن العمري إصدار وجه أمان لعبد الرقيب.

وبالفعل ذهب العميد الدفعي إلى الفريق العمري وأبلغه أن عبدالرقيب في موقع الصاعقة بجبل المدور، وأنه يطلب الوجه والوعد بالأمان لزيارته.

إلا أن الفريق أبدى استياءه بشان مجيئه عن طريق عدن وعدم عودته مع بقية الضباط والقادة إلى صنعاء مباشرة، بل وارتاب من عودته بطريقة سرية حتى وصوله إلى الموقع المذكور ظاناً أنه يتأبط للنظام شراً.

فطلب الفريق العمري من العميد الدفعي -الوسيط - من عبدالرقيب أن يثبت حسن نيته بأن يصل إليه ويقبل تطبيق الجزاء العسكري على تصرفاته، وبعد تنفيذ الجزاء سيتم استقباله والجلوس معه.

وبالفعل حضر إلى منزل الفريق العمري الذي وجه بتوقيفه في منزله (في المفرج المخصص للحراسة الفريق العمري)، والمنزل كان ملكاً للأمير سيف الإسلام إسماعيل، وحالياً مبنى وزارة الخدمة المدنية المجاور لمبنى رئاسة الوزراء.

وبالفعل تم إحضاره إلى بيت الفريق، وقبل التوقيف في المفرج الذي كان مخصصاً لحراسة الفريق العمري، ومكث عبد الرقيب يومين تحت التوقيف، وهو يعلم أن الفريق لن يقابله إلا بعد فترة .. وكان الشهيد عبدالرقيب على ثقة بأن الفريق سوف يسامحه بعد تنفيذ فترة الجزاء.

إلا أن من المفارقات أن صادف قيام سالم الهمامي قايد الصاعقة الذي تعين بدلاً عن عبدالرقيب بزيارة الفريق في الساعة السابعة والنصف مساءً فعلم بتلك الزيارة من المرافق الشخصي للشهيد عبدالرقيب الذي بدوره أبلغ عبدالرقيب بتلك الزيارة فتوقع عبدالرقيب ان بقاءه في منزل الفريق هو مكيدة بهدف تسليمه لخصمه قائد الصاعقة.

فما كان من عبدالرقيب إلا أن تسلق جدار حوش المنزل، وهو لا يتجاوز في الارتفاع سوى المتر والنصف، والجدار كان مطلاً على شارع ضيق من خلاله توجه صوب رئاسة الوزراء مروراً بالشارع المؤدي الى الإذاعة، ومنه توجه إلى المنزل المستأجر له صديقه العميد عبود مهدي، المملوك لبيت العجمي.

ومكث عند عبود مهدي حتى مطلع الفجر، ونسق مع حسين الدفعي على التوجه إلى منزل العميد على سيف الخولاني الكائن في شارع كلية الشرطة سابقاً/ الشوكاني حالياً، وذلك ريثما يتم ترتيب طلب الأمان، وإطلاع الفريق عن الملابسات التي حدثت. بالفعل توجه إلى منزل العميد علي سيف الخولاني وطرح عليه ما حصل، الأمر الذي طمأنه! وكيف يذهب ظن عبدالرقيب أن الفريق العمري سوف يسلمه لقائد الصاعقة، وهو جهة غير ذي اختصاص؟!

وبالفعل طمأن على سيف عبدالرقيب، وجلسا معاً حتى الساعة التاسعة صباحاً، ثم توجه علي سيف الى منزل الفريق العمري ليخبره بالأمر، فاندهش العمري لما قام به عبدالرقيب وهو يظن أنه لا يزال في منزله حسب الاتفاق، مؤكداً أنه لم يدر في خاطره ما كان يظنه عبدالرقيب الذي يكن له معروفاً وديناً مستحقاً لإنقاذه من حصار أطبقه عليه الملكيون إبان حرب السبعين يوماً لولا قيام عبدالرقيب بفك ذلك للحصار.. مؤكداً لعلي سيف أنه لم يكن ينوي القيام بتسليمه، وطلب الفريق بقاء علي سيف عنده، وأرسل الفريق قائد حرسه لإحضار عبدالرقيب من بيت علي سيف إليه.. ولربما أن قائد الحرس فهم تلك التوجيهات بالخطأ حيث ظنه إحضاره بالقوة، حيث توجه بسيارة روسية مدرعة يطلق عليها 6/6 مع مجموعة من الحرس وذهبوا إلى بيت علي سيف، حيث لم يكن في البيت سوى عبد الرقيب حينها فقط، لم يكن أحد من أسرة العميد علي سيف الخولاني بالمنزل!

وأثناء وصولهم دقوا عليه باب المنزل بقوة، فتفاجأ عبد الرقيب بالحرس، فشك أن تلك مكيدة، فما كان منه إلا أن أخرج مسدسه الذي كان معه وأطلق منه ست طلقات والسابعة أطلقها على نفسه، وكان المسدس مع تلك الطلقات هو السلاح الوحيد الذي بحوزته، وبعدها أخذوا الجثة الى ميدان التحرير، وقد كان بعض البلاطجة يتجمهرون حول الجثة أثناء مرور المرحوم العميد مجاهد أبو شوارب والمرحوم الشيخ أحمد علي المطري اللذين قاما بتفريق المتجمهرين حول جثمان الفقيد وحملاه على سيارتهما الى المستشفي الجمهوري، ومن هناك تم تجهيز الجثمان بما يليق بمكانة البطل، والصلاة عليه وتشييعه إلى مثواه الأخير بمقبرة خزيمة. هذه هي تفاصيل اللحظات الأخير من حياة أحد أبطال السبعين يوماً والمدافعين عن النظام الجمهوري.أ هـ

في هذه الرواية العديد من المآخذ أو علامات الاستفهام..!

- الرئيس الإرياني ذكر في روايته أن عبدالرقيب عاد إلى موقعه في جبل عيبان، وهناك أعاد تنظيم قواته لمحاولة الهجوم مجدداً على صنعاء أو سحب قواته والمظلات والمدفعية إلى الجنوب، وهذا ما أشارت إليه رواية حنظل بالوصول إلى هناك طالباً المسامحة والالتقاء بالفريق العمري، عكس رواية الإرياني تماماً، وقد كانت الصاعقة بيد الهمامي ولم يعد لعبدالرقيب أي صلاحية أو تأثير عليها!

- إذا لم تكن عملية القتل متعمدة كيف يتم سحل الجثمان إلى مبنى المواصلات وسط التحرير؟! فلو كانت غير عمد لتجنبوا الاشتباك معه قدر الإمكان وهم يعلمون أنه يقاوم فقط بمسدسه وأن عدد طلقاته محدودة بسبع طلقات يمكن استنزافها حتى انتهائها ومن ثم القبض عليه بسلام!

- بعد علم الفريق العمري وقيادة الدولة بمقتله وهم غير آمرين بالقتل لأكرموا جثمانه وودعوه كوداع الأبطال مثلما تم توديع محمد مهيوب الوحش بالمراسيم الرسمية المعتادة حتى وإن كان من باب التمثيل وقتل القتيل والسير في جنازته وهو كان رئيس الأركان وبطلاً للسبعين وليس جندياً أو ضابطاً عادياً!

- حتى وإن لم يودعوه بالمراسيم المعتادة، كيف لم يمنعوا التمثيل بجثمانه وكيف لم يكرموا جثمانه؟!

- تقول الرواية تم إكرام جثمانه بتغسيلها وتكفينها ودفنها في مقبرة خزيمة، بينما قام بعض أقارب وأصدقاء الشهيد المغدور بدفن الجثة في مقبرة خزيمة المجاورة، ووضعوا على القبر مشهداً صغيراً حمل اسم (الشهيد عبدالمجيد عبدالواسع)؛ خوفاً من أي ردة فعل انتقامية، وظل ذلك القبر مجهولاً على العامة لعدة سنوات، كما يقول الصديق الباحث بلال الطيب.

- الشيخان مجاهد أبو شوارب وعلي المطري هما من زعماء القبائل الذين قاموا بالمواجهة مع عبدالرقيب وفبركة الطائفية والمناطقية كيف أكرماه وانتشلاه من الغوغاء ومن ثم دفنه..!!

- هذه الرواية تنفي الاتهامات الموجهة إليه بالانقلاب وكذا بالطائفية والعنصرية المناطقية، وتنفي سحب جنوده وأسلحته إلى الجنوب، وهي التهم التي فبركت ضده!

- هل كانت عودته عن طريق عدن دافعاً ومدعاة لمقتله، خاصة وقد أوضح أنه تعرض للإهانة في عدن ومنها توجه إلى صنعاء؟!

- طالما وقد جرت الوساطة من الخولاني والدفعي إلى العمري وشرحهما سلامة موقفه وطلبه وجه أمان من العمري، فلماذا تم قتله إذاً؟!

- وإذا كان عبدالرقيب المستهدف لشخصه فقط، فلماذا تمت تصفية ضباط آخرين وتمت الاعتقالات المجنونة في أوساط المدنيين والنقابيين والطلاب والتجار في صنعاء والحديدة بذلك الشكل الذي صوره المطري لسنان في رسالته ثم التسريح والنفي والتشريد لمنتسبي تلك القوات؟!

- عاد وحيداً ولم يعد يمتلك أية ورقة بيده يستطيع عمل بها شيء، ولم يعد يشكل خطراً أبداً لا على الدولة ولا على أي من مسؤوليها، ولكن يتضح أن هناك إصراراً على قتله.

- تهمة الانقلاب على الدول هي تهم معلبة دايما يتم بها رمي أي معارض أو صاحب رأي مهما كان ضعيفاً ولا يشكل خطراً، وهي تهمة تشهر في كل حين في وجه كل صاحب كلمة حق أو شخصية قوية غير منصاعٍ لأجندة التسلط أو بياعي المواقف.

- إذا كانت هذه الرواية صحيحة، والعمري لا يكن له شراً ولا نية له بتصفيته، لماذا إذاً بعد مقتله لم يتم محاسبة الجناة وتقديمهم إلى العدالة؟ ولماذا لم يتم تكريم جثمان الشهيد وتوديعه الوداع الرسمي المكرم له كبقية المسؤولين؟ ولماذا تم تجاهل كل الأعراف السياسية والدبلوماسية والعسكرية وحتى النخوة القبلية في إكرام جثمانه بحسب الشريعة الإسلامية والمراسيم السياسية والعسكرية؟!

كنت قد التقيت شخصية عسكرية من بقايا تيار عبدالرقيب، ورفيقاً لعبدالله عبدالعالم المبعدين معه إلى الخارج، من التيار الناصري حينها فيما بعد (أخذ علي عهداً ثقيلاً أن لا أذكر اسمه حالياً خشية من الملاحقة)، وتحدث إلي بنفس هذه الرواية مع القول: إنه لا أحد يعلم على وجه الدقة ما الذي حصل سوى أننا نعلم أن الخولاني استدرجه إلى منزله ثم غدر به!

قريب من هذه الرواية الموجزة سنعرضها لاحقاً للسائق الخاص لعبدالرقيب عبدالوهاب، في الفقرة خامساً..

ويبدو أن تخبط الجميع في تلك الرواية، بمن فيهم رفقاؤه، تعكس سرية التخطيط وحبكة التنفيذ؛ كون الجميع لا يدرك على وجه الدقة ما الذي حصل، وسادت الرواية الرسمية التي رواها الخولاني للسلطة حينها وأجمعوا على تبنيها وإظهارها في الإعلام.

لكنه ذكر أن موضوع الجانب الطائفي مبالغ فيه ورمي به فريق عبدالرقيب للتخلص منه، و"حتى لا تخرج السلطة من أيدي أصحاب مطلع"، كما قال. وهذا ما أكدته الأحداث بعد ذلك إلى عهد الرئيس صالح وهو يصف الرئيس هادي بـ"صاحب أبين"!

كان جزيلان قد ألمح إلى أن علي سيف الخولاني من مساجين حجة الذين حاول البدر استمالتهم أثناء هروبه من صنعاء إلى قلعة حجة ليقفوا معه، ومع أنه لم يفلح معهم إلا أنهم تأثروا من اتصالاته وبدأوا يثيرون بلبلات ضد القيادة ويشككون في دعم الثورة وعدم وصول الطائرات المصرية بقولهم: "أين الطائرات ياكذابين"؟!

قد يكون لهذا التأثير النفسي، فضلاً عن العنصري المناطقي، والإغراء الحقدي والتنافسي بين الخولاني وعبدالرقيب، وبما أن معظم قبائل خولان ظلت نصيرة للإمامة واشتركت بقوة في الحصار مع شيخها الغادر الذي غدر بكثير من الشخصيات الثورية بعض التأثير على الرجل للغدر بعبدالرقيب كبطل السبعين، كونه أحد أهم الحاسمين للمعركة ضد الحصار؛ فقد كان علي سيف الخولاني من المتعصبين مناطقياً ومذهبياً وعلى رأس الخلافات السابقة بشهادة الكثير من رفاقه، التي اضطرت العمري إلى إبعاده من صنعاء إلى الجزائر جنباً إلى جنب مع عبدالرقيب ليعود مجدداً مع العمري دون عبدالرقيب!

ومع أن الإرياني يبرر ذلك الإبعاد إلى الجزائر لإصلاح المؤسسة العسكرية، وإبعاد رؤوس الفتنة والخلافات، وأن أكثرية المبعدين من الطرف (الزيدي) كان ترضية لطرف عبدالرقيب، إلا أن مجريات الأحداث قبل وبعد اغتياله تنبئ بعكس ذلك، وكذلك فإن شخصية مقربة من الفريق العمري، وأحد العاملين معه، يلمح إلى أن الخولاني وفريقه كانوا هم الغالبين في العمل المناطقي والمذهبي، بعكس ما ذهب إليه الإرياني. ورؤوس الفتنة من الجانبين كالتالي:

أولاً: طرف عبدالرقيب، وهم: عبدالرقيب عبدالوهاب (قائد الصاعقة)، حمود ناجي (قائد المظلات)، عبدالرقيب الحربي (هناك من الناصريين من يذكر أن الحربي هو نفسه عبدالرقيب عبدالوهاب، وأن هذا اللقب أطلق عليه سخرية منه، بينما آخرون يذكرونه كشخص مستقل بذاته وهو شخص آخر، وفعلاً هو شخص آخر ذكره صديقه أحد المبعدين معه إلى الجزائر اللواء يحيى الكحلاني)، عبدالكريم جغمان، سعيد هزاع.

ثانياً: طرف الخولاني، وهم: علي سيف الخولاني (قائد العاصفة)، محمد عبدالخالق (قائد المدرعات)، حسين المسوري، عبدالرحمن حمزة، علي عبدالله صالح، حمود الهزمي، عبدالله الراعي، محمد أبو لحوم، لطف سنين، حمود أبو غانم، محمد منصور الحباري (قائمة كما ذكرها سنان أبو لحوم).

لكن قوائم العيني والإرياني والشعيبي لا تذكر أن علي عبدالله صالح ضمن المبعدين إلى الجزائر، ولا ضمن رؤوس الفتنة، ولم يكن قد برز في ساحة الأحداث بعد، وهي كالتالي:

العقيد علي سيف الخولاني، العقيد حمود بيدر، المقدم محمد الخاوي، المقدم محمد عبدالخالق، المقدم حسين المسوري، المقدم عبدالله الراعي، المقدم طاهر الشاهري، المقدم عزالدين المؤذن، المقدم علي الضبعي، المقدم الآنسي، الرائد سلطان القرشي (هذا مغيب إلى اليوم بعد انقلاب الناصريين في أكتوبر 1978، ويذكر لي أحد أقاربه أنه لم يبعد معهم ولم يخرج معهم)، الرائد حميد العذري، النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب، النقيب حمود ناجي، النقيب يحيى الكحلاني، النقيب محمد محرم، النقيب علي أحمد الجبري، الرائد عبدالسلام الدميني، الملازم عبدالواسع قاسم، الرائد عبدالرقيب الحربي، والملازم محمد أحمد سعيد.

بينما كان علي مثنى جبران معتقلاً يخضع لأشد أنواع التعذيب، وكان الأصل أن يكون ضمن المبعدين لا تمارس ضده عقوبات السجن والتعذيب، بينما كان الرائد محمد مهيوب الوحش والرائد محمد صالح فرحان قد صُفيا قبل ذلك.

ثم كيف يكون علي سيف الخولاني، وهو رأس الفتنة، الملجأ الوحيد لعبدالرقيب وهو رأس أعدائه ومنافسيه، يذهب إلى العمري ليطلب منه الأمان لعبدالرقيب فيعطيه العمري ذلك ثم يعود الخولاني مباشرة لحصار عبدالرقيب في منزله الذي الأصل أن يعود إليه بشكل طبيعي يبلغ عبدالرقيب نتيجة اللقاء والأمان، ما يلبث أن يتم قتله وبأيدي وحدته ورفاقه من الصاعقة والمظلات المتهم بأنه ينوي سحبهما بأسلحتهما إلى الجنوب بحسب رواية الإرياني؟!!

كلها تساؤلات دقيقة، وعلامات استفهام تكشف تخبطاً كبيراً في رواية مقتل الرجل.

لقد عرف عن عبدالرقيب أنه كان شديد الحذر، وخاصة أثناء الحصار، وكان لا يستقر في مكان يومين متتالين، فكيف لا يكون حذراً في اللجوء إلى رأس أعدائه، إن كان فعلاً رأس أعدائه، ويسلم رقبته بيده؟!

ومن حذره أيضاً أنه حينما توجس من حبسه في منزل العمري ووصول قائد الصاعقة البديل إلى العمري بوجود عبدالرقيب أنه هرب من منزل العمري ليلة تصفيته!

أيضاً كيف يمكنه الانتحار ولا ضرورة لذلك وقد أخذ له الأمان بالتسليم، بحسب تفاهمات سابقة مع العمري والإرياني أنه يستسلم ويتم معالجة الأمر ويعود إلى وحدته بشكل طبيعي بعد تلك التفاهمات ما يلبث أن تنتهي تلك الأحداث بالنهاية المأساوية؟!

هناك تخبط كبير في هذه الرواية وفي أمر مقتله بشكل عام، وتبعث هذه الحادثة كثيراً من علامات الاستفهام أهمها:

- أنه قتل في بيت منافسه وعدوه المحرض عليه اللاجئ إليه!

- كيف نفي فريقان بينما عاد ووجد خصومه المنفيين في صنعاء مقربين من العمري يعملون معه؟!!

- إذا كان انتحاراً فلماذا تم محاولة سحله والتشفي به في شوارع صنعاء ولم تنه القضية بعد مقتله مباشرة؟!

- التصفية والاغتيال كان من طرف واحد فقط، وهو طرف تعز عسكريين ومدنيين!

ولم يذكر أن شخصية بعينها من المناطق الزيدية أو الشمالية أو من رؤوس فتنة الطائفية من الفريق الآخر تم تصفيتها -في غير ظروف المعارك- من قبل طرف عبدالرقيب، لا شخصية عسكرية ولا سياسية، ويكفي هذا الأمر دليلاً وافياً على فبركة تلك القصة.

- إستمرار التصفية ومآلات تلك الأحداث الى عهد صالح بتصفية مشايخ الحجرية وقصفها بالطيران!

- صدامية وضيق العمري وتطرفه مع من يختلف معهم حتى ضباط قريبين منه، أو المواطن الحرازي، كما يذكر الإرياني والشعيبي!

- نفهم أنه كان يتم تلفيق التهم لهم طائفياً أو حزبياً وتهمة بالشيوعية أو التقدمية أو القومية، أو حزبية في الجيش!

وهذا الأمر يكشف سيطرة الخط التقليدي القبلي الاجتماعي وتسيده على الحداثة في الجمهورية.

خامساً: رواية سائق عبدالرقيب الخاص

بينما أكتب في هذه الحلقات اتصل بي لواء ركن كان يعمل مدرساً في كلية الحرب العليا في اليمن (تحفظ عن ذكر اسمه)، وقد سرد لي رواية أخرى غير كل هذه الروايات مع اختلاف في التفاصيل، وقال عن الروايات السابقة أنها كلها دبلوماسية وغير صحيحة.

هذه الرواية على لسان سائق عبدالرقيب ومرافقه الخاص علي سعيد كشاهد عيان للحادثة يخالف فيها الروايات السابقة في كثير من تفاصيلها ابتداءً من السفينة الروسية وانتهاء بتصفيته وسحله. (منتظر الرد من قبل السائق لتأكيد القصة).

تقول الرواية:

كان المشايخ رأس حربة المواجهة لعبدالرقيب منذ الأساس؛ فهم من ضغط على الرئيس الإرياني لإقالة عبدالرقيب من رئاسة الأركان، ولم يستقل هو من تلقاء نفسه كما تم الترويج للاستقالة.

في حادثة السفينة الروسية هي في الأساس أسلحة تشيكية وليست روسية، لما حاول العمري منع عبدالرقيب من استلامها أمر أصحابه من الصاعقة فنهبوها وكانت بنادق تشيكية [تلك البنادق التي شهرت حينها بقوتها ومداها الطويل ودقة تصويبها].

كان عبدالرقيب قد اتفق مع الرئيس الإرياني على أن لا يتم تعيين أي من الضباط الذين رفضوا المشاركة في الدفاع عن صنعاء أو هربوا من صنعاء أو رفضوا العودة للمشاركة في المواجهة أو الذين جلسوا في البيوت حينها [الذين يسمون في المصطلح العسكري: فرار]، لكن الذي حدث أنه تم تعيين كل أولئك الضباط في مناصب مختلفة بضغط من المشايخ؛ الشيخ عبدالله الأحمر والشيخ أحمد علي المطري والشيخ سنان أبو لحوم ومجاهد أبو شوارب وغيرهم.

كانت الطامة الكبيرة على عبدالرقيب أن يتم تعيين علي سيف الخولاني رئيساً للأركان بديلاً عنه وهو الذي لم يشارك في المعركة، ويكون بذلك الرئيس الإرياني خالف الاتفاق معه وكانت من ضمن دوافع المواجهة.

حدثت مواجهة أغسطس بعد ذلك وتم نفي الضباط المذكورين إلى الجزائر وإذا بضباط الطرف الآخر يعودون بشكل فردي إلى صنعاء ويتم تعيينهم في مناصب عسكرية.

لما علم عبدالرقيب بعودتهم عاد هو إلى صنعاء عن طريق عدن بشكل سري حتى لا يعلم بعودته أحد وفاجأهم بوجوده في صنعاء، عاد إلى وحدته في الصاعقة ولم يكن قد أقيل منها.[كان الإرياني قد أشار إلى تلك العودة أنها القشة التي قصمت ظهر عبدالرقيب].

قام علي سيف الخولاني، وهو المعين رئيساً للأركان مع ضباط آخرين باستدراج عبدالرقيب إلى بيته عن طريق عزومته على الغداء، ولما ذهب عبدالرقيب إلى العزومة استوحش الحضور وشعر بالمؤامرة عليه فأرسل سائقه الخاص علي سعيد المجيدي ليأتيه ببقية مرافقيه [الحرس الشخصي] فذهب السائق ولما عاد وجد كل شيء قد انتهى؛ تم تصفية عبدالرقيب وصاروا يسحلوا جثته بحراسة من

أولئك الضباط ومنعوا الاقتراب من الجثة وهي تسحل!

ملاحظات الرواية:

- الرواية مختصرة في كثير من التفاصيل كونها باتصال هاتفي عن بعد وفيها الكثير من التحفظ

- الرواية تثبت سحل الجثة التي نفاها الآخرون

- هي نفس سيناريو تصفية الرئيس الحمدي وربما كانت ملهمة في تفاصيلها لتطبيقها على الرئيس الحمدي

- أكد لي وجود صورة السحل ووعدني بإعطائي الصورة

- النية المبيتة لتصفية عبدالرقيب كونه آخر الضباط الكبار في أحداث أغسطس ورأس هذا الطرف المواجه لطرف المشايخ ومن معهم

- يبدو أن السائق هنا يتحدث عن الأسلحة الفردية الخفيفة وليست الثقيلة التي توزع على الوحدات بحسب الاختصاص.

- عكس كل الروايات التي تذكر إقالته من الصاعقة قبل الإبعاد إلى الجزائر، وعودته إليها هي ما ذكرها الإرياني في مذكراته وتخوفوا من استجماع قوته واغتالوه قبل أن يستجمعها.

- أن عبدالرقيب صفي تصفية مباشرة ولم يقاوم بسلاحه الشخصي متحصنا ببيت الخولاني كما ذكرت الروايات السابقة.

- صمت هذه الوحدات عن تصفية قائدها ينبئ عن أن الرواية فيها غبش أو أن الجميع سلم بالأمر الواقع.

....يتبع