اليمن في قلب السعودية
لم تكن اليمن يوماً ما بعيدة عن السعودية قيادة وشعباً بل هي الشعب والدولة والقبيلة التي تلقى الترحيب الكبير والابتسامة العريضة على جبين كل سعودي وفي كل محفل يلتقي فيه الإخوة الذين يجمعهم الدين أولاً وأواصر الأخوة والنسب والدم والمصير المشترك.
وكوني ممن عايش السعوديين في السراء والضراء طوال أكثر من 25 سنة، فإن أبعدتني عنهم الحدود فقد جمعتني بهم بشكل يومي وسائل الاتصال في العمل والأمور الشخصية الأخرى، ولم أجد منهم إلّا روح المحبة والرفق والتشجيع على النجاح، بل إنهم كانوا في صفي وإلى جانبي أبّان نكبة الانقلاب عام 2014، ولا أنسى تفقدهم وتواصلهم معي في أحلك ظروف تلك الأيام بل وتنسيق تحركاتي وخروجي إلى المملكة بكل يسر وسهولة، وبرسائل واتس أب قد لا يستجيب لك أقرب المقربين لك في تلك الظروف، لكن مسؤولي السعودية وزملائي في العمل كانوا الأقرب من كل قريب، ولا زلت حتى اليوم بعد عشر سنوات وأنا بين هذا الشعب الكريم والعظيم والذي تجده بجوارك في كل أزمة تعصف بك، وأقول أنا في بلدي وبين أهلي ومثلي نحو مليوني يمني.
لم أنبهر وأنا أشاهد أبناء بلدي يحتفلون في قلب الرياض بفعاليات انسجام عالمي أقامته وزارة الإعلام السعودية بالشراكة مع هيئة الترفيه، والحضور الذي فاق التوقعات، لأني أعرف جيداً أن اليمني في المملكة في بلده وبين أهله ولم يشعر يوماً أنه غريب بل واحد من هذا الوطن العظيم والكريم، ويتعامل في إطار المجتمع نفسه في المعيشة والحركة، لأن هذا البلد هو بالفعل قبلة لكل الشعوب والثقافات والتنوع.
فالإنسان اليمني شرب السعودية وحبه ووفاؤه لها في حليب اللبن، وربما هذه الفقرة تثير تعجب الكثيرين لكن أود أن أوضح أنني وكل أطفال اليمن كانت احتياجات منازلنا في القرى والأرياف لا تأتي من داخل المدن اليمنية.. بل هناك سيارات أسبوعية تنقل لنا الحليب وكل المعلبات التي يبعث بها آباؤنا من جدة والمدن السعودية الأخرى ولا تزال حتى اليوم، وبفضل هذه البلد الكريم نجا الشعب اليمني من مجاعة كانت وشيكة ومثّل مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية والبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن وكذلك التسهيلات التي تقدمها السعودية للمغترب اليمني حبل النجاة للكثير من الأسر التي انهكتها الصراعات والحروب الداخلية وجرائم وأطماع مافيا الحوثي المدعومة من إيران.
لقد شكلت الفعالية الثقافية إحياء فعلياً لحضارة وتاريخ الشعبين الشقيقين السعودي واليمني والذي لا اختلاف بينهما بل إنهما عبارة عن مزيج من التنوع الثقافي التاريخي بين قبائل الجزيرة العربية، فضلاً عن أن الحضور الرهيب رسالة واضحة من كل يمني تواجد في حديقة السويدي بالرياض للعصابات الإجرامية التي تصر على إراقة دماء الشعب اليمني وجلب الحروب والصراعات والإرهاب، إن الانسان اليمني سئم كل أفعالكم وإرهابكم وهو تواق للاستقرار والسلام والفن والتنوع الثقافي والحفلات الجميلة.
وأنا اتجول في الحفل أجد أن الأسر والأطفال رغم أنهم لديهم اختبارات كانوا في الصفوف الأولى يصفقون في فرحة محرومون منها في صنعاء والحديدة وصعدة وعمران وحجة وذمار والبيضاء والجوف؛ جراء السلوك الإرهابي لعصابات الحوثي التي استهدفت الفنانين وزجت بهم في السجون وعاقبت الأسر ومنعت الحفلات بما فيها حفلات الأعراس.
يا لهذه السعادة الذي صنعتها السعودية في وجوه الشعب اليمني القادمين من كل مناطق المملكة وتحمل السفر والتذاكر إلى قلب الرياض لحضور هذه الأيام الثقافية وتعميم الفرحة الكبيرة، بل إن الكثير ممن لم يعلم مبكراً عن الأيام اتصل بالصحفيين والزملاء الذين نشروا الفيديوهات عن الحفلة والحضور الكبير لكي يتعرف على الأيام المتبقية لها للتوجه من مدينته في شرق أو غرب أو جنوب أو شمال المملكة إلى الرياض عاصمة المحبة والإخاء ، للتواجد في هذا العرس الثقافي الكبير، فشكراً للسعودية قيادة وشعباً، وشكراً لوزارة الإعلام وهيئة الترفيه والقائمين على مبادرة انسجام عالمي على هذا العمل الجبار الذي أدخل السعادة إلى قلب كل يمني وجعل الكثير يستعيد ذكريات جميلة حُرم منها طوال السنوات العشر الماضية، بفعل نهج وسلوك الحوثي المدمر للشعوب وحضارتها وتاريخها.