” حياة الماعز ” وقسوة كفيل سعودي
قبل أربعة أعوام ، تلقيت رسالة من صديقي العراقي ، الدكتور "علي الشليلي" المقيم في فنلندا ، يخبرني فيها ان استعد للسفر للعمل في المعهد الملكي الفنلندي للإبداع، وبراتب كبير يسيل له اللعاب، وقد سرني الأمر كثيرا، فاستشرت صديقي المفكر والأديب " عبد العزيز الحميدي " الذي يعيش في بريطانيا ويحمل جنسيتها، فنصحني باغتنام الفرصة والسفر الى فنلندا والبقاء فيها لفترة طويلة حتى احصل على الجنسية انا وأولادي، لكن زوجتي " أم محمد " حسمت الجدل، ورفضت السفر وقررت البقاء في المملكة وعدم المغادرة ، ثم إنها أقنعت أولادي بعدم مرافقتي للسفر وأشعلت ثورة منزلية ضدي، فكانوا يصرخون في وجهي بين الحين والأخر " إرحل"، لذلك شكرت صديقي العراقي وأخبرته بأني سوف ابقي في السعودية ، وأكدت له انني مستعد ان اخسر أي شيء لكن لا أستطيع التضحية بزوجتي وعيالي وخسارتهم ، مهما كانت المغريات.
ما جعلني أتذكر هذا الأمر ،هو ان صديق عزيز اتصل بي منذ يومين وسألني ان كنت قد شاهدت الفيلم الهندي " حياة الماعز " فقلت له لا لم أشاهده ولا تعجبني الأفلام الهندية لأن نصفها غناء ورقص والنصف الأخر خيال لا يمت للواقع بصلة ، حيث يهزم بطل الفيلم كل أعدائه المدججين بالسلاح الفتاك ويقضي عليهم جميعا بسكين مذحل، لكني فوجئت به يسألني عن الفترة التي قضيتها في السعودية ، ويطلب مني أن أكتب بكل صدق وأمانة وتجرد وانصاف عن حياتي خلال هذه الفترة الطويلة التي قضيتها في المملكة، فوعدته أن افعل ذلك.
الحقيقة أن الشعوب العربية جميعها وبدون استثناء، تتغلب فيها عواطفهم الجياشة، على عقولهم النيرة ، وهذا أمر أدركه كل من يكنون العداء للعرب فقاموا بتشغيل آلتهم الإعلامية الجبارة، لتشويه كل ما هو عربي ، سواء عن طريق الأفلام أو الإعلام ، او وسائل التواصل الإجتماعي لتغذية عقولنا بالأكاذيب والأباطيل ، وتمكنوا فعلا من غسل أدمغتنا واقناعنا بأن القذافي شخص مجنون ، وصدام حسين يقتل شعبه دون رحمة وعلي عبد الله صالح دمر اليمن وحول حياة الشعب اليمني إلى جحيم ، وبعد أن وقع الفأس في الرأس عادت تلك الشعوب تبكي وتذرف الدموع وتندم على غبائها وتصديقها لتلك الأكاذيب ، وصارت تحلم بعودة زعمائها.
إن استخدام الافلام ومختلف وسائل الاعلام للهجوم على الكفيل السعودي وتصويره على انه شخص لا يرحم المقيمين، يجعلني اشعر بالحيرة والدهشة ، فكيف لنا ان نصدق هذا الإعلام الخسيس والذي بلغ من الحقارة والانحطاط والأكاذيب إنه يصور الخنزير "نتنياهو" قاتل النساء والأطفال والمستمر بالابادة الجماعية للشعب الفلسطيني ، بأنه بطل يدافع عن شعبه ، بل ويستقبله الكونجرس الأمريكي استقبال الفاتحين الأبطال، وقناعتي الشخصية هو أن من يصدق الإعلام الغربي، أو ما يشاهده من محتوى، هو شخص سطحي وغارق في الجهالة وليس في رأسه ذرة عقل.
وختاما سوف أفي بوعدي لصديقي والخص الفترة الطويلة التي قضيتها في المملكة ، وأقول بكل أمانة وانصاف وتجرد انني شاهدت الكثير والكثير من المقاطع لمقيمين من مختلف الجنسيات ، وكيف انقذت الفزعة السعودية حياتهم من موت محقق ، ولعل ما علق في ذهني ولا أستطيع نسيانه هو حادثين أحدهما لمقيم سوداني أسمه عبد الله نشرت قصته مجلة " البرق السودانية" التي تصدر في الخرطوم ، وكشفت ان المقيم السوداني ارتكب حادث مروري تسبب في وفاة مقيم باكستاني فكان أمامه خيارين، إما الإعدام او دفع الدية ، فأطلق صرخة استغاثة يطلب من السعوديين الفزعة ، فلم تمضي سوى ساعتين فقط حتى جمع السعوديين ربع مليون ريال سعودي هي دية الباكستاني وانقذوا حياة المقيم السوداني.
أما الحادثة الثانية ، فوقعت لي شخصيا ، ووثقتها في مقال نشرته في "المشهد اليمني" وكان بعنوان // هذا الضابط السعودي يستحق قبلة على الرأس // فقد كنت اقف أمام اشارة المرور الحمراء ، ولاني كنت في عجلة من أمري فقد قطعتها، لكن سيارة المرور السرية اوقفتني واخذوني الى إدارة المرور في الناصرية لتوقيفي مدة 24 ساعة ، وعندما شاهدني أحد الضباط ابكي انتهرني بشدة ، وقال ان اليمنيين شجعان ولا يبكون مثل النساء لمجرد التوقيف ليوم واحد فقط ، فقلت له انا لا أبكي خوفا من التوقيف، ولكن ابنتي الصغيرة مريضة ولا يوجد أحد يذهب بها للمستشفى ، فانقلب موقفه تماما ومنع توقيفي ، وقال كان عليك ان تنظر دقائق بسيطة وما كان ليحدث هذا الأمر لو انك التزمت النظام والقانون ، لكن اكراما لفتاتك الصغيرة لن احجزك في التوقيف، فشكرته وانصرفت.. هذا هو الشعب السعودي الذي عرفته عن كثب ، لذلك مهما قيل عن السعودية أو السعوديين من أكاذيب وشائعات فلن تستمر طويلا ، لأنها ببساطة أكاذيب باطلة يدحظها الواقع وحبال الكذب قصيرة.