الرمز والرامز في فلم حياة الماعز
شاهدتُ فلم «حياة الماعز»، وقرأتُ بعض ما ثار حوله من ضجيج، وأحب أن أدلي بدلوي القدموسي..
الفلم عمل درامي انتقامي بميزانية ضخمة ودعم خفي، وهدفه الأساس تشويه السعودية والسعوديين، وخاصة في هذه النهضة الاستثنائية التي نحياها، وتجاوزنا بها دولاً غربية وشرقية كانت تظن أنها سيدة المكان والزمان، وبقدرة قادر اختَلَفَتْ حسابات، وتراجَعَتْ كِيَانات، وتَقدَّمَتْ أخرى منها هذا البلد الكريم العظيم.
وهذه نقاط أسردها عليكم:
١. نُرَحِّب نحن السعوديين بالنقد الموضوعي الناجم عن اتزان ووعي، ويُظهر المحاسن والمساوئ، ويسعى إلى الإنصاف، وما من محايد إلا ويميز الحقد المتدثر بالنقد.. ذاك النقد الذي يختلق الأكاذيب، أو يعرض حالة فردية على أنها أسلوب حياة، وقد بدا الحقد ظاهراً في قصة الفلم الخيالية، وفي أول الفلم حين تحدث العامل الهندي مع مواطن سعودي، ثم قال لصاحبه الهندي: «لقد كانت رائحته كريهة.. إن عطور العرب مصنوعة من عَرَقِهم وبَولِهم»، وهذه نبرة شعوبية احتقارية افترائية يرددها بعض العجم الذين لا يعرفون الاستحمام، ولا الماء في الحَمّام، ولا نجالسهم إلا بكَمّام، والعجيب أن يشارك في تمثيل هذا الفلم ممثل من دولة خليجية، غير أن عجبي تَلاشَى حين عرفتُ أنه ليس عربي الأصل، وإلا لَمَا شارك في فلم يفتري على العرب، وعلى جيران بلده السعوديين.
٢. قصة الفلم غير منطقية، وتَدَّعي أن مواطناً خدع عاملاً وجده حائراً في المطار، وادَّعَى أنه كفيله، وسَخَّرَه للعمل والعبودية ثلاثة أعوام في الصحراء دون أي حقوق مالية أو إنسانية، وهذا ضرب من الخيال الرخيص، فبإمكان العامل الهروب، والبحث عن حلول في أول الأيام، وليس بعد ثلاثة أعوام.
٣. إذا افترضنا صحة القصة أو بعضها فهي شهادة لنا لا علينا، فتخيلوا أن أقصى ما نُلْمَز به تصرف فردي منبوذ من السعودي قبل غيره، وخارج على النظام، وله عقوبات صارمة.
٤. فات منتجي الفلم أن يذكروا أن ملايين العاملين في السعودية بنوا أنفسهم وأسرهم، وأسهموا في نهضة بلدانهم اقتصاديّاً وسلوكيّاً بفضل الله ثم بفضل عملهم لدينا إخوة لهم كل التقدير والاحترام.
٥. فات منتجي الفلم أن يذكروا أمنيات ملايين العاملين الأَكْفَاء الذين يتمنون العمل في بلادهم الثانية السعودية، وما زار مواطن سعودي بلداً عربيّاً أو أوربيّاً أو آسيويّاً إلا وكانت رغبة ذوي الكفاءات فيه هي العمل في السعودية قبل أي بلد، لِمَا يحظى به العامل من حقوق واضحة، وأمانٍ حقيقي، ودخل جيد، وحياة كريمة يَقدِر عليها كبير الدخل ومحدوده.
٦. فات منتجي الفلم أن يذكروا جهود الجمعيات الخيرية وجهود المواطنين الخاصة في التفريج عن العُمّال الموقوفين بسبب قضايا مالية أو جنائية، وكيف تسعى الجمعيات وهِمَم المواطنين إلى تفريج كروبهم بتحمل أعبائهم المالية، ليعودوا إلى أسرهم وبلدانهم.
٧. فات منتجي الفلم أن يذكروا ما تقوم به بعض العمالة السيئة من خداع المواطنين، وتوريطهم، وسرقتهم، واستغلال طيبتهم وحسن ظنهم وكرمهم، وإيقاع الضرر بهم، ومن ثم هروبهم إلى بلدانهم، وحتماً هي حالات فردية (صحيحة)، لكن تغاضيهم عنها يثير تساؤلنا: لماذا لم يتغاضوا عن حالة فردية (مكذوبة) أنتجوا بسببها الفلم؟!
٨. فات منتجي الفلم أن نظام الكفيل نظام يحفظ حق العامل أولا، والكفيل هذا إما أن يكون جهة حكومية، أو مؤسسة خاصة، أو مواطناً، وعلى الكفيل واجبات تضمن حق المكفول، وحقوق الناس الذين يتعامل معهم المكفول، والكفالة عبء ثقيل، ومسؤولية لا عبودية كما يشيع بعضهم، وحَسْب الكفيل مسؤولية أن الجهات المختصة تعود إليه لو أساء مكفوله إلى أحد، أو لو أساء الكفيل إلى مكفوله، وطالما سُجِنَ كفلاء أساؤوا لمكفوليهم، أو سُجنوا لأنهم وثقوا في مكفوليهم وما كانوا أهلاً للثقة، ومع ذلك فالجهات المختصة تسعى الآن لتحديث نظام الكفيل ضمن التحديثات الشاملة في الأنظمة حتى لا يتورط كفيل بمكفوله، ولا العكس.
باختصار.. الفلم عبثي هش، وما هذا بأول فلم ولا آخره، وكلما تَضاعَفَ العُلُوّ، تألَّمَ العَدُوّ، وهذا كلُّه إن لم يَسُرّ لا يَضُرّ، فلهم الصياح والنواح، ولنا الأفعال العظمى في السعودية العظمى.
قدموس