فقدان التوازنات وسقوط الدولة
حين تخلينا عن الحزب الاشتراكي وشركائه من القوميين واليساريين، فقدنا الديمقراطية، وحين تخلينا عن المؤتمر والإصلاح فقدنا الدولة، وحين تخلينا عن القبيلة والعلماء فقدنا الجماهيرية، وحين فقدنا الجميع فقدنا الجمهورية وعادت الإمامة .
إنها سنة التوازن والتدافع، حين تريد القضاء على شريك وطن بعيدا عن التنافس السياسي، سيملأ الفراغ عدو الجميع .
ونحن نرى عربدة إيران في المنطقة، نعترف أن الخطأ القاتل للأنظمة العربية والشعوب والحركات الإسلامية هو قرار التخلي عن القوة الناعمة المتمثلة في رجال الفكر والدين ومعاهد التربية الإسلامية، والانفتاح على الديمقراطية دون الاحتفاظ بالمرجعيات، وعندها جاء المعمم الشيعي وملأ الفراغ وسرق هيكل تنظيم الحركات الإسلامية من الخطيب حتى الأنشودة .
انكشفت الدول العربية واخترقت الحركات الارهابية المسلحة السنية والشيعية شباب الأمة، وسقطت الجمهوريات وسيطرت الميلشيات الإيرانية على الحكم في خمس دول عربية.
في اليمن كان الشيخ عبد المجيد الزنداني الذي اختلفنا مع بعض توجهاته يمثل الجناح الآخر لتنظيم حزب الإصلاح وهي الجماهيرية، و عندما تم إضعاف هذا الجناح لم يستطع الإصلاح التحليق بجناح التنظيم السياسي وحده.
كما كان يمثل الزنداني الداعي الشعبي للنظام الجمهوري وعندما تم إسكاته، ارتفع الداعي السلالي من جديد .
كان علي عبد الله صالح يعتمد على الشيخ الزنداني في توطيد أركان حكم الدولة وكان يندفع الشيخ من بوابة النصر للدين إلى تأكيد الولاء للدولة والنظام حفاظا على الاستقرار السياسي، وعندما تم التخلى عنه واستبداله ببدر الدين الحوثي واحمد الشامي وغيرهم من علماء السلالة انتهى المطاف بالنظام بين يدي الإمامة، وانتهى المطاف بالشيخ الذي كانت جماهيره تملأ السهل والجبل والصحراء والوادي، مشردا في الخارج.
هاهو صديق الثائر محمد محمود الزبيري ومؤسس أكبر جامعة دعوية يموت بلا جمهورية ولا دولة ولا جماهير .
لقد كانت جامعة الإيمان وسيلة جيدة لتحقيق استراتيجية توسيع قاعدة العلماء الشرعيين، ولم يشعر اليمنيون بأهميتها، إلا حين ملأت غرابيب الحوثي مساجد اليمنيين.
ظل الزنداني أكثر من نصف قرن مثيرا للجدل مع احتفاظه بقربه من الناس أكثر من أي شخصية أخرى، وكان الشخص الأقدر على الحشد والجمع والتأثير السريع، وهذه الخسارة لا تعوض لعقود قادمة.
مات شيخ القبيلة عبد الله بن حسين الأحمر ، ففقدت الدولة توازنها ، وقتل الرئيس علي عبد الله صالح، فهوى ما تبقى من رمزية الدولة، وهاهو يموت رمز الجماهيرية الشيخ الزنداني، ليبق الجيل الجديد منصتا لصوت رديء ووحيد هو صوت الإمامة الحوثية وتحت وطأة سلطة طائفية هي سلطة الحرس الثوري الإيراني .
يا الله مالذي صنعناه بأيدينا ؟
لقد أسكتنا المدفع الذي نتهم صوته بإزعاجنا، ولم نعرف أنه كان جزء من من توازنات دولتنا، إلا بعد أن وضعت الإمامة مخالبها فوق رؤسنا.
وداعا شيخ الجماهير.. وعند الله تجد حلمك الذي لم يكتمل .