إستراتيجية الكهنة بين الترغيب (الاستقطاب) والترهيب (الإيذاء) تجاه أبناء الثوار الأحرار!
تداول الكثير مقابلة متلفزة مع أحد أبناء الثوار الأحرار في قناة طمس "الهوية"، وبرنامج محاولة "طي" صفحة التاريخ اليمني، حيث كانت خلفية ضيوف البرنامج سوداء قاتمة، وخلفية "المحاور" غرفة شبيهة بالسجن وفيها كرسيين وطاولة للاستجواب، ويمر عبرها بشكل مستمر تشويش متعمد بألوان باهتة تُصيب الضيوف بعمى الألوان وتُذهب عنهم البصيرة!. وبعض ما ظهر من ملامح إصابة الضيوف بعمى الألوان ودلائل ذهاب بصيرتهم، أنه تم توصيف الانتكاسة الكبرى (٢١) بأنها جاءت لإزالة الطبقية، وتٌصور على أنها نكبة بيضاء لم ترق فيها قطرة دم، وتنعت بأنها انقلاب متسامح كون الدخلاء والشظايا والغرباء تسامحوا مع أبناء الأرض وأصحاب الحق، ومروراً باعتبار الانتكاسة إحدى المكملات الغذائية للثورة المجيدة الخالدة (٢٦ سبتمبر)، ووصولاً إلى نعت رؤساء الجمهورية السابقين الحِميّريين بألقاب غير مناسبة، وانتهاءً بوَسِم جرذ الكهف بالقائد الإقليمي، وتحويلها إلى حلقة مناشدة وإستعطاف وإِسْتِرحام للسلالية؛ وذلك للتمعن والتلذذ بإذلال وإهانة أبناء الثوار الأحرار!.
انقسم المشاهدين وكتاب الرأي بين مبررًا وناقدًا، وترك كليهما التحذير والتنبيه من إستراتيجيات الكهنوتية السلالية وقفازاتها القذرة، والمتمثلة بالترغيب والترهيب عبر محاولة استقطاب أبناء الثوار الأحرار، وإيذاء من لم ينصع لهم!. لقد حاولت الكهنوتية السلالية استقطاب معظم أبناء الثوار الأحرار في الشمال والجنوب والشرق والغرب وممن بالداخل والخارج عبر شبكاتهم المتعددة، وتمكنوا من استدراج البعض (الضعفاء والمهزومين)، وفشلوا مع البعض الآخر (الأحرار الأقوياء). كما أن ذلك ليس بجديد عليهم، فإحدى استراتيجياتهم القذرة السابقة تتمثل بمحاولة إفراغ ساحة الوطن من القُوَى الثورية الوطنية النيرة عبر محاولة استقطاب الثوار الأحرار من الآباء السابقين.
ولتوضيح الفقرة السابقة، سأستشهد بثلاثة أمثلة (والأمثلة كثيرة)، إحداها مع الثوار الأحرار للحركة الوطنية السابقة (الزبيري والإرياني والنعمان)، وثانيها مع أحد أبناء الثوار الأحرار (اللواء علي عبدالله السلال)، وثالثها مع ابنة د. عبدالرحمن البيضاني المرادي (د. هناء عبدالرحمن البيضاني المرادي).
يذكر القاضي الإرياني في مذكراته، أنه في اللقاءات الأولى من مؤتمر حرض (١٩٦٥م)، اِلتقى به "أحمد الشامي" وقال له لقد التقيت بـ محمد محمود الزبيري في مؤتمر "أركويت" وقلت له تعال أنت والقاضي عبدالرحمن الإرياني لنذهب ونعيش حيث تختاران، ولدي من المال ما يفي بحاجتنا وأولادنا، وهذا العرض لا يزال قائمًا لك وللأستاذ أحمد نعمان، فكان رد القاضي الإرياني له "ما احوجني إلى اعتزال الحرب والسياسة معاً؛ ولكن بعد تثبيت الجمهورية". وتلك إشارة صريحة إلى إستراتيجية السلالية في محاولة إفراغ الساحة من القُوَى الثورية الوطنية النيرة، ودلالة كاملة على أسلوب الترغيب والإغراء عبر الأموال التي توفرت فجأة لدى "الشامي" ليعرضها على الوطنيين الأحرار!.
أما المثال الثاني، فهو لأحد أبناء الثوار الأحرار "اللواء علي عبدالله السلال" -رحمه الله- الذي يصعب استقطابه، كونه يقول أن عقيدته الشخصية بأنه لا توجد ثورة إلا ثورة الـ ٢٦ من سبتمبر، ويطلق عليها بـ "الثورة الإنسانية" التي خلصت الشعب من الجهل والفقر والمرض، ويشير بشكل صريح في مقابلة متلفزة موثقة إلى استراتيجية الترهيب والإيذاء الذي تعرض له من قبل الكهنوتية السلالية وقفازاتها القذرة نتيجة عدم الانصياع، عبر قوله "فقر ومرض وجوع وأذية"!.
أما المثال الأخير (والأمثلة كثيرة)، فهو لـ "د.هنأ عبدالرحمن البيضاني المرادي"، التي أشارت في احدى مقابلاتها المتلفزة أن لدى والدها أرض في مأرب، نصفها يقع تحت سيطرة الكهنوتية السلالية والنصف الآخر خارج سيطرتهم، حيث حاولت الكهنوتية السلالية عبر شبكتها الخارجية التواصل معها بواسطة استراتيجية الترغيب (الاستقطاب) وعرض استعدادهم لتسليم نصف أرض والدها الذي تقع تحت سيطرتهم؛ ولكنها رفضت كليًا مصوغة ذلك أنه لا يمكن أن تقبل أن يرجع حق والدها عبر أيدي الكهنوتية السلالية، وبإشارة ضمنية أنها لا يمكن أن تعطيهم ورقة يستخدمونها لتببيض جرائمهم أمام أبناء الشعب، وتقول بأنهم تواصلوا معها بعد "إحتلال صنعاء"!.
والهدف من وراء كل ذلك أن الكهنوتية السلالية تظن أنها عبر استخدام إستراتيجية الترغيب والترهيب (الاستقطاب والإيذاء) مع أبناء الرموز الثورية، ومحاولة ضمهم إلى صفها الظلامي، سوف يُساعد على تفكيك أي ثورة شعبية قادمة، ويُساهم في وأد أي مظاهر للمقاومة، ويُشارك في تبييض جرائمهم، ويعمل على تحفيز قبول الانتكاسة الكبرى (٢١) في أوساط المجتمع ومحو الثورة المجيدة الخالدة من أذهانهم، وهم بذلك واهمون؛ كون تاريخ الأبطال الأحرار والرموز الثورية الوطنية ليست ملكًا لفرد أو أسرة، بل هو ملك للشعب وللتاريخ، علمًا أن هنالك الآلاف الأبطال الأحرار الذين سوف يصبحون رموز ثورية قادمة، وسيكونون امتدادًا للحركات الوطنية السابقة.
ختامًا، ما أحوج القوى الوطنية الحرة إلى التخلي التام عن أنصاف الحلول، واعتزال الفُرْقة والشتات، وتجاوز الصراعات البينية، والتركيز كليًا على استعادة السلطة الثروة ومؤسسات الدولة ومقدرات الشعب من فكي الشظايا والدخلاء والغرباء وقفازاتها القذرة. وواقعيًا، لا يوجد أي مبرر لكل من يتماهى من أبناء الشعب اليمني مع الكهنوتية السلالية حتى لو كان تحت سيطرتهم، فأقل القليل أن أداة الصمت متوفرة ومجانية!. أما من يحاول تلميع الكهنوتية السلالية وتبييض جرائمها، أو يعمل على حشد أبناء القبائل اليمنية لها، أو يجعل من منزله غرفة عمليات لرفع التقارير على أبناء الشعب، تحت حجج واهية وتافهة متعددة، فأولئك هم القفازات القذرة ممن يتوهمون بأنهم سوف يقفزون من مركب إلى مركب آخر؛ ولكنهم مخطئون ويستحيل أن يتسامح معهم الوطنيين الأحرار أو يتهاون معهم أبناء الشعب، ولن يفلتوا من العقاب ولا بد أن ينالوا جزائهم الكامل (والتاريخ لا يرحم).