المشهد اليمني
الجمعة 13 سبتمبر 2024 02:25 مـ 10 ربيع أول 1446 هـ
المشهد اليمني رئيس التحريرعبد الرحمن البيل

شبكة UNMONEY: السلاح السري للحكومة اليمنية في حرب العملات

عملة يمنية
عملة يمنية

في خطوة جريئة نحو تنظيم العمليات المالية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، أصدرت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا عبر البنك المركزي في عدن سلسلة من القرارات تلزم شركات الصرافة بالانضمام إلى الشبكة الموحدة للأموال (UNMONEY).

تم إيقاف عدد من شركات الصرافة التي لم تنضم لهذه الشبكة وإغلاق فروعها، مع توجيه صارم لجميع شركات ومنشآت الصرافة ووكلاء الحوالات للالتزام بتنفيذ كافة التحويلات المالية المحلية الجديدة بشكل نقدي حصراً عبر هذه الشبكة. فما هي هذه الشبكة؟ وما أهمية استخدامها؟

السياق والتحديات

منذ أن قرر البنك المركزي التابع للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا نقل مقره الرئيسي إلى عدن عام 2016، فقد المودعون أحقيتهم في سحب أموالهم أو التصرف بها، وتراجعت ثقتهم بالبنوك، مما دفعهم للاحتفاظ بأموالهم لدى محلات الصرافة أو تحويلها إلى ذهب.

البنوك نفسها توقفت عن إيداع الأموال لدى البنك المركزي التابع للحوثيين بعد 2016، وبدأ أصحاب رؤوس الأموال بفتح شركات الصرافة للاحتفاظ بأموالهم وتصريف أعمالهم.

ظهرت شركات صرافة جديدة بصورة مفاجئة على الساحة المالية، وأصبحت شركات الصرافة أكثر أمانًا من البنوك، حيث يُقدر عددها بالآلاف.

في المقابل، كانت قدرة البنك المركزي في عدن على الرقابة المالية لشركات الصرافة معطّلة، سواء في عدن أو في المناطق الأخرى، أدى ذلك إلى عدم معرفة البنك المركزي أين تذهب العملات الأجنبية التي يقوم بضخها للسوق من أجل الحفاظ على أسعار الصرف في مناطق سيطرة حكومته، وبالتالي كانت تتبخر دون أثر في استقرار أسعار الصرف هناك.

عن الشبكة الموحدة

في أواخر عام 2020، اجتمعت قيادة البنك المركزي في عدن ممثلة بقطاع الرقابة على البنوك وشركات الصرافة المرخصة رسميًا من البنك المركزي، بهدف تنظيم أعمال الصرافة والحوالات الداخلية ومعالجة الاختلالات في سوق النقد الأجنبي.

تم إنشاء شبكة موحدة للحوالات، مملوكة لشركات الصرافة المرخصة، وتشكيل لجنة تأسيسية ممثلة لملاك شركات الصرافة لوضع التصورات الأساسية لإنشاء الشبكة، بالتنسيق مع الفريق الفني بالبنك المركزي لاتخاذ الإجراءات التنظيمية والقانونية والفنية.

تُعد هذه الشبكة شركة مساهمة مقفلة برأس مال 5 مليارات ريال يمني، وتعمل تحت إشراف البنك المركزي اليمني.

في منتصف فبراير 2024، أطلق البنك المركزي اليمني في عدن الشبكة بموجب تعميم يُلزم شركات ومنشآت الصرافة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة باستخدام هذه الشبكة.

في المقابل، أصدرت جمعية الصرافين اليمنيين في صنعاء "تحت سيطرة الحوثيين" تعميمًا في مارس 2024 يحظر على شركات ومنشآت الصرافة وشبكات تحويل الأموال المحلية التعامل مع شبكة UNMONEY والبنوك غير المرخص لها من قبل البنك المركزي اليمني بصنعاء.

في يوم الأربعاء 26 يونيو 2024، أصدر البنك المركزي في عدن قرارًا بوقف العمل بشكل كلي ونهائي بشبكات الحوالات المالية المحلية المملوكة للبنوك والمصارف أو شركات ومنشآت الصرافة العاملة في الجمهورية، داعيًا البنوك والمصارف وشركات الصرافة المعنية لتصفية العمليات المعلقة في شبكات الحوالات التابعة لها خلال 15 يومًا من صدور القرار، ومن ثم الانتقال إلى شبكة الحوالات الموحدة.

دوافع الحكومة لاستخدام الشبكة

تحرص الحكومة والبنك المركزي في عدن على حصر الحوالات المالية على قناة واحدة "الشبكة الموحدة" تعمل تحت رقابة البنك المركزي، وذلك لعدة أسباب:

  1. تحسين الرقابة المالية: تُمكّن الشبكة البنك المركزي من معرفة حجم الكتلة النقدية من العملات الأجنبية المتوفرة في السوق، وأين تلك الأموال؟ وفيم تُستخدم؟ هذا يتيح للبنك القدرة على مراقبة تدفقات الأموال بشكل أفضل.

  2. تنفيذ السياسات النقدية: يمكن للبنك المركزي تنفيذ سياسات نقدية فعّالة لتحقيق استقرار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية. هذا يُعد أمرًا حيويًا في ظل الانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه العملة في مناطق سيطرة الحكومة.

  3. تقليل التحويلات المالية غير المشروعة: يساعد استخدام الشبكة الموحدة في الحد من التحويلات المالية غير المشروعة، بما في ذلك تمويل الإرهاب وعمليات غسل الأموال، مما يعزز من بيئة الأعمال ويزيد من الثقة في النظام المالي.

  4. حصر استخدام الكتلة النقدية: عبر الشبكة الموحدة، يتم حصر استخدام الكتلة النقدية من العملات الأجنبية التي يضخّها البنك المركزي في عدن على شكل مزادات علنية في عمليات استيراد السلع والمنتجات التي يتم استيرادها عبر ميناء عدن، مما يعزز من استفادة الحكومة في عدن من جمارك تلك السلع.

التحديات المستقبلية

على افتراض استمرار منع جمعية الصرافين والبنك المركزي بصنعاء لشركات الصرافة من الانضمام لشبكة التحويلات المالية وإغلاق أي شركة تتعامل مع هذه الشبكة، فإن ذلك يعني أن عملية تبادل التحويلات المالية بين المناطق التي تحت سيطرة ميليشيا الحوثي والمناطق التي تحت سيطرة حكومة عدن ستتوقف بشكل رسمي ويتوقف معها عمليات التحويل من الخارج على مناطق سيطرة الحوثيين، مع احتمال أن تزدهر عملية التحويل بطرق غير رسمية.

من ناحية أخرى، تواجه البنوك في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي عجزًا غير معلن في دفع مرتبات منظمات وشركات تتعامل معها، وإذا ما أصرّت الحكومة والبنك المركزي في عدن على تنفيذ قراراتهم بشأن الشبكة الموحدة للأموال في مواعيدها المحددة "دون تدخل خارجي"، فإن ذلك سيؤدي إلى تناقص العملات الأجنبية في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، وبالتالي تراجع سعر صرف الريال هناك.

وهذا قد يكشف عن الوضع الحقيقي للاقتصاد في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، مما قد يدفع البنوك إلى تسريح موظفيها وإعلان إفلاسها.

الاستنتاج

إن تطبيق الشبكة الموحدة للأموال يمكن أن يكون له تأثير كبير على الاقتصاد والسياسة في اليمن. بوجود نظام مالي موحد، ستتمكن الحكومة الشرعية من تحسين الرقابة على تدفقات الأموال وتقليل عمل السوق السوداء، مما يسهم في استقرار العملة المحلية وتحسين الوضع الاقتصادي.

في المقابل، سيواجه الحوثيون تحديات مالية كبيرة قد تدفعهم إلى الحوار والتفاوض من أجل إيجاد حلول مستدامة للأزمة اليمنية.

إن الشبكة الموحدة للأموال (UNMONEY) ليست مجرد أداة مالية، بل خطوة استراتيجية تأخرت الحكومة كثيرا في اتخاذها. استخدامها قد يدفع ميليشيا الحوثي إلى التفاوض بشكل جاد للوصول إلى سلام دائم ومستدام.

على المجتمع الدولي أن يستمر في تأييد البنك المركزي على تنفيذ قراراته، ويجب على الحكومة استغلال هذا التأييد الدولي والإقليمي دون تأخير.

أما التراجع عن تنفيذ القرارات أو تأجيل تنفيذها وإبقاء بنك مركزي عدن بدون قدرة على التحكّم، فهو يعني ضرب المسمار الأخير في نعش هيبة ومكانة البنك المركزي في عدن، واستمرار الحوثيين في حصد المليارات دون نية حقيقية للوصول إلى حل إلا ما يفرضونه هم.