المشهد اليمني
السبت 27 يوليو 2024 05:21 صـ 21 محرّم 1446 هـ
المشهد اليمني رئيس التحريرعبد الرحمن البيل
”صوت الجماهير يُسمع: صافرات استهجان تلاحق إسرائيل في حفل افتتاح الأولمبياد” صراع قبلي يكاد يمزق نسيج المجتمع في قعطبة.. ثم يأتي الصلح ليلئم الجراح ”أنتم الآن أقرب إلى حرب عالمية ثالثة”.. ”ترامب” يحذر ”نتنياهو” مما سيحدث في الشرق الأوسط إذا خسر في انتخابات الرئاسة الأمريكية ”صوروا كلامي هذا وارسلوه للحوثي، لسنا خائفين منك”... قبيلة أرحب تتحدى الحوثيين (فيديو) ”مقترح غير متوقع: عفو مقابل بناء مستشفى لروح الطفلة حنين البكري” ”ميليشيا الحوثي تثير الفتنة: لافتة طائفية تهدد النسيج الاجتماعي في اليمن” تطور خطير.. الكشف عن رحلة سرية لإحدى طائرات اليمنية من مطار صنعاء إلى العاصمة ”اللبنانية” بيروت ”أين التراث اليمني؟ صحفي رياضي يفجر قضية الزي في حفل افتتاح أولمبياد باريس” ”اختطاف الجندي المدافع عن عدن: رحلة البحث المؤلمة في سجون عدن السرية” سوق السلاح في عدن.. ظاهرة مستمرة تتحدى القرارات وتثير المخاوف قوات الانتقالي الجنوبي تصدر تصريح هام وتتحدث بشأن قضية علي عشال شخصية جنوبية شهيرة تصل صنعاء...وقيادات حوثية ترحب

عن ‘‘المغفلة’’ التي أحببتها!

منذ أيام وفي ذهني فكرة قصة تلح علي بإصرار غريب كأنها ذبابة تحوم فوق رأسي ، أطردها فتعود بعناد عجيب ، لكنني لم أستطع كتابتها بعد .!
قصة تحتاج إلى تهيئة ذهنية مكثفة، وإلى هدوء وراحة بال وانسجام نفسي ، أقدر الأمر هكذا وإلا ففي الكثير من الأحيان ما إن أبدأ بكتابة القصة حتى تنداح الأفكار وأجد نفسي وقد شارفت على نهاية القصة وبصدد وضع نهاية مفارقة لها .!
بينما كنت قبل البدء بالكتابة أقدر أنني بحاجة إلى هدوء تام وإلى ارتياح وخلو من الهموم والهواجس.!
والعجيب والغريب أن أجمل القصص التي كتبتها ونالت الكثير من الإعجاب كتبتها في جو من الصخب والإزعاج، كان بجوارنا عرس والضجيج على أشده ، وجاء إلينا بعض الأقارب ، وتجمع الأطفال وصاروا يجرون في كل أنحاء البيت ويلعبون وكأننا لا وجود لنا، وكنت حينها في عالم آخر .!
وبعد ساعة أكملت أجمل قصة كتبتها في حياتي.!
وهي مفارقة تؤكد أن الكاتب ـ في الغالب ــ متى بدأ في الكتابة غرق في عالمها ونسي ما حوله حتى يكمل نصه ليعود إلى واقعه كأنه كان تحت تأثير شلال من الإلهام الإبداعي ثم فاق منه .!

لدي فكرة قصة منذ سنوات ولم أكتبها لأن بطلها صديقي ، ويكن لي كل تقدير واحترام ، ولذا لا أريد أن أخسر هذا الشخص بسبب قصة .!
لدي قناعة أنني مهما غيرت وبدلت وحورت فيها سيدرك أنها قصته وأنه المعني بها ولذا لم أكتبها ولم تغادر ذهني.!

في العام 1996م قرأت في مجلة " العربي" الكويتية أول قصة لأنطون تشيخوف ، كانت بعنوان " المغفلة " يتحدث فيها عن مربية أطفاله التي غالطها أثناء دفع راتبها فيما استسلمت بهدوء لهذه المغالطة ولم تحتج ولم تعترض أو حتى تتحدث.!
غالطها ليجرب ردة فعلها فوجدها مستسلمة بشكل صادم ، بل لقد شكرته .!
بعدها أعاد إليها نقودها وصارحها :
ــ ( لقد غالطتك ، لقد سرقتك .!
ليختم القصة بسؤالها :
ــ لماذا لا تحتجِّين ؟ لماذا تسكتين؟ هل يمكن في هذه الدنيا ألاَّ تكوني حادَّة الأنياب؟ هل يمكن أن تكوني مغفَّلة إلى هذه الدرجة ؟
ابتسمتْ بعجز ، فقرأت على وجهها: ممكن!
سألتها الصفح لهذا الدرس القاسي، وسلَّمتها بدهشتها البالغة، الثمانين روبلاً كلَّها. شكرتني بخجل وخرجت.
تابعتها بنظراتي وهي خارجة،
وفكَّرتُ:
…… ما أبشع أن تكون ضعيفًا في هذه الدنيا.! ) .
قرأت القصة وأحببتها وقلت في نفسي:
ــ أريد كتابة مثل هذه القصص.
وحاولت مرارا فكانت محاولات لو قرأتها الآن لضحكت على نفسي، ولولا أنني واصلت الكتابة ولم أحبط لما كتبت بعد أكثر من عشرين عاما قصة أعجبت الناس ، ولم تصدر لي حتى الآن عشر مجموعات قصصية ولدي ثلاث مجموعات شبه جاهزة.

كانت قصة تشيخوف كسائر قصصه بسيطة تقرأها فتظن أنك ستكتب الكثير من القصص مثلها لبساطتها وسهولتها وجمال فكرتها، لكن عندما تبدأ محاولاً كتابة قصة مثل " المغفلة " تجد الصعوبة البالغة، وهذا ما يسمى بـ " السهل الممتنع " أن تقرأ لكاتب فتندمج في عالم القصة وتعيش معها ثم تجد نفسك في فترة بسيطة قد أكملت قراءة القصة دون أن تشعر.

البعض يظن أن كتابة القصص عملية سهلة جدا لكنها برأيي أصعب كتابة في العالم ، المقال فكرة تضع لها مقدمة ثم تعرض الفكرة ثم تضع لها الخاتمة التي تريد قولها وينتهي الأمر ، لكن القصة مختلفة تماما ، بناء محكم كأنه عقد لؤلؤ لا تزيد حبة ولا تنقص حبة ، بعض القصص ترهق تفكيري لأسبوع كامل وهي تتشكل في الذهن بأحداث مختلفة ، وأظل في شرود عمن حولي أكتب وأحذف وأضيف وأعدل لأيام ، وكل هذا في الذهن فقط ثم أبدأ الكتابة وفي منتصف القصة يتحول الخط الذي رسمته لأحداث القصة إلى طريق آخر لم يخطر ببالي فأمضي معه حيث تأتي أفكار جديدة وأنا في منتصف الأحداث ، أفكار تغير القصة تماما ولكن للأفضل.
القصص القصيرة فن ساحر تقرأه بمتعة وسلاسة فيتغلغل في روحك ويتسرب في وجدانك كأنه سلسبيل ينساب في جدول ، ويطبع في ذهنك الكثير من الأفكار والقيم والمفاهيم التي تبقى كنقش حجري وإن لم تتنبه له .
القصص الجيدة هي التي لا تستطيع تركها ، هي القصة التي تظل متشوق لمعرفة نهايتها وفي الوقت نفسه مستمع بقراءتها ، هي القصة التي تلهمك فكرة لقصة قد تكون مغايرة للقصة التي قرأتها أو مشابهة لها في جزئية بسيطة لكن ما يهم هو فكرة القصة.

القصص ليست مواعظ ، هي فن ولكن في ثناياها فكرة تتغلغل في ذهن القارئ دون أن يشعر ، القصص تلمح ولا تصرح ، تومئ بإشارة يفهمها الحليم ، أسلوبها الساحر الممتع يترك أثر غير مباشر ، أثر خفي وخطير في الوقت نفسه ، القصة أخطر من المقال بألف مرة لكنهم يقرأونها غالباً قراءة سطحية ، القصة خالدة والمقال آني ابن يومه او أسبوعه بينما تبقى القصة ويكتب لها الخلود وتقرأ بكل اللغات والأماكن ، ما زال الناس حتى اليوم يقرأون قصص انطوان تشيخوف وجي دي موباسان وإدغار الآن بو وماركيز ويوسف ادريس ونجيب الكيلاني ونجيب محفوظ وغيرهم رغم موتهم ورغم أن لنا اكثر من قرن منذ كتب انطوان تشيخوف قصصه وما تزال إلى اليوم نماذج مدهشة خالدة لأنها تجسد أشواق وآلام وآمال الإنسان في كل زمان ومكان .