مقتطفات من مذكرات الشيخ الزنداني: عن حديثه في ندوة الثلاثاء بمصر وتجربته مع القوميين واللقاء بالزبيري ــ قصص مدهشة وتفاصيل تنشر لأول مرة
... عدت من القرية وبعد وصولي صدرت عقب إجازة عيد الفطر المبارك نزلت كشوفات الطلاب بأداء التطبيقات العملية فذهبت إلى الشيخ وطلبت منه إعفائي من أداء التطبيقات العملية إذا كان يريدني أن أبقى معه وعلى الفور كتب إلى الشيخ محمد السودي المشرف على التطبيقات العمليات بجامعة الإيمان توجيهاً بإعفائي فأخذته به وذهبت إلى السودي فأخذ الورقة قائلاً :
ــ أنا عارف أنك عند الشيخ من المقربين .
ثم أخذ الكشف وكتب أمام اسمي " معفي بأمر من رئيس الجامعة " .
ثم واصلت عملي مع الشيخ .
وذات يوم ذهبت إليه وكان بحوزتي كتاب عن القاضي إسماعيل الأكوع وكان لا يزال حينها على قيد الحياة فلما رأى الشيخ الزنداني الكتاب أخذه مني وقال لي :
ــ هذا شيخي ..
ثم روى لي الشيخ قصة سفره إلى مصر للدراسة مع شقيقه الدكتور عبد الواحد الزنداني ـ رحمة الله تغشاه ــ ، وكيف سعى القاضي إسماعيل الأكوع لإقناع والده بأن يرسلهم إلى مصر للدراسة .. يقول الشيخ : ( كان والدي يخطط لتدريسنا ، وكان القاضي اسماعيل الأكوع الذي كان يدرسنا في عدن قد نصحه بأن يرسلنا إلى مصر للدراسة ، وانتقلنا إلى مصر ، والحمد لله كنت من الأوائل في الدراسة في القاهرة ، وأذكر أننا انتقلنا إلى حلوان رأسا لنسكن في بيت الطلاب اليمنيين ، ثم بعدها انتقلنا إلى القاهرة ، وكنت أحضر الأنشطة الثقافية ، وكان يسكن في حلوان المفكر الاسلامي سيد قطب ، لكني لم أقابله ، ولكن نشاط الإخوان المسلمين هناك كان كبيرا ، وكانت جماعة الإخوان المسلمين مقراتها مفتوحة ، وكنا نذهب ونرتاد مجالسها ، ونحب شبابها ونرى فيهم صورة للروح الإسلامية ، وكنت أرى ما حولي يخالف الإسلام ولا أجد أحدا يدافع عن الإسلام بصدق وقوة ومنطق وحجة وحرارة إلا هؤلاء الإخوان ).
يضيف الشيخ : ( بالنسبة لي لم أكن اجتمع بهم لأني ما كنت في المستوى المطلوب ، يمكن كانوا يعتبرونني من صف الأشبال ، أو صف الناس الذين لا يُبنى عليهم أعمال في ذلك الوقت ، وقد مرضت مرة فجاؤوا يزورنني إلى المستشفى ، وكانت لهذه الزيارة تأثير في نفسي ، وكانت كتاباتهم وأحاديثهم تؤثر فينا ، فهم يكتبون في مواجهة التيار العلماني الغربي عن دراية وخبرة وبصيرة ، لكننا لم نكن نستطع نقابل أحد منهم في ذلك الوقت ، لقد كانوا في السجون حينها حتى الذين ليسوا في السجون هم في السجون في بيوتهم ، لكننا كنا نلتقي بالشيخ الأزهري كمال أحمد عون ــ رحمه الله ــ فقد فتح لنا بيته وقلبه وأراد أن يفقهنا ففتح لنا درسا في الفقه ، وأذكر أنه قال نكتة لن أنساها قال :
ــ أنا سأدرسكم من كتاب نيل الأوطار للشيخ الشوكاني ، وهذه بضاعتنا ردت إلينا ، لكي يرغبنا في دراسة الكتاب ).
كما روى لي الشيخ أنه لم يكمل دراسته فحين قامت الثورة اليمنية عام 1962م عاد إلى اليمن ، لكن قبل عودته إلى اليمن كانت هناك حكايات وقصص ومواقف عاشها في مصر .
كان الشيخ طالباً في كلية الصيدلة في العام الأول ، كان حينها ناجحا ومتفوقا ويذاكر لزملائه ، لكن في العام الثاني بدأ مستواه يتراجع لانشغاله بأحوال اليمن والأمة .
وقد روى لي الشيخ أنه في مصر تعرف بالقاضي الثائر محمد محمود الزبيري ، وبالراحل عبده محمد المخلافي وبالأستاذ أحمد محمد النعمان حيث كان من لديهم أبناء يدرسون في مصر يرسلون لأولادهم بمصاريف مع النعمان فيزورهم في السكن ويسلم لهم المبالغ التي أرسلها لهم أهلهم في اليمن .
كما روى لي الشيخ أنه تعرف بكثير من طلاب اليمن في مصر حينها ، وقد أصبح أغلبهم بعد ذلك من المشاهير والأعلام .
• الشيخ الزنداني يتحدث في ندوة الثلاثاء
وقد روى لنا الشيخ عبد المجيد الزنداني قصة لها دلالات وذات شجون يقول الشيخ : " حضرت ندوة الثلاثاء ، وكانت تلقى فيها الدرس وفي القاعة الالاف ، وأنا في المقاعد الخلفية ، وكان بعد الدرس يخصص وقتا للأسئلة والمداخلات والنقاش فكتبت في قصاصة وأرسلتها إلى المنصة بأني " عبد المجيد الزنداني من اليمن وأريد الحديث حول الوضع في اليمن " فلما قرأها المتحدث حتى سر كثيرا وخصني بالحديث فأنا الوحيد القادم من كوكب اليمن شبه المعزول عن العالم ، وأعطاني الكلمة وقال : سيتحدث الآن الأخ عبد المجيد الزنداني من اليمن وأطلب منه الحضور للمنصة ولم أصدق ما سمعت ونهضت وأنا أجرجر أقدامي واتعثر من الخجل فهذه أول مرة سأتحدث فيها أمام حشد كبير من الناس ، وفي الحشد نخب وعلماء وجمع كبير ، وقفت وبدأت أتحدث وأنا لا أدري ما أقول ، كنت أستوعب آخر جملة قلتها وأرى القاعة تدور وفي أذني طنين ، وأنا في حالة لا يعلمها إلا الله ، وواصلت حديثي عن اليمن ، والوضع في اليمن ، ثم بدأت أرى القاعة تدور ببطء ثم توقفت عن الدوران في عيني ، وبدأت أستوعب ما أقول ، ومن حينها ألتفتت أنظار الإخوان في مصر إلي ، وكلفوا الأستاذ فهمي هويدي ــ الكاتب المعروف ـ باستيعابي وتنظيمي في حلقة من الحلقات التنظيمية ، وما زلت أذكره ، لقد كان مشرفا علي ، وكان شابا في كلية الهندسة ، وكنا نراه نموذجا للشاب المسلم ، فهو صاحب دين وصاحب استقامة وصاحب خلق ، ثم كلفت بعد ذلك باستيعاب من أستطيع من طلاب اليمن في الحركة الاسلامية " الإخوان فرع اليمن " وحينها أسسنا حلقة ، ثم حلقات بحيث تشكلت الحركة الإسلامية من طلائع طلاب اليمن في مصر ، ثم بايعنا الأستاذ القاضي محمد محمود الزبيري كأول أمين عام لها كما سيوضح الشيخ لاحقاً .
* تجربة الشيخ الزنداني مع القوميين
يقول الشيخ عبد المجيد الزنداني عن نشاطه في أوساط الطلاب من أبناء اليمن في مصر وتأسيس فرع للإخوان المسلمين في باسم الحركة الإسلامية : ( كانت أفكار الحزب الشيوعي المصري قد غزت أفكار طلاب اليمن وكان الحزب يعطيهم دعم مالي بما يجعلهم يظهرون في مظهر الكرماء المتواضعين المحبون للناس ويعطونهم الكتب ويحاضرونهم حتى صار قلة من طلاب اليمن من الذين انخرطوا في الحزب الشيوعي في مصر رغم أن بعضهم يدرسون في الأزهر وكذلك القوميين بعضهم كانوا يدرسون في الازهر لكن التعليم في الازهر حينها لم يكن في مستوى مواجهة هذه الحركات وأفكارها وشبهاتها وفي تلك الفترة للأسف كان قلة من طلاب اليمن من الشيوعيين وصل بهم الأمر إلى أن تجرأوا وأفطروا في نهار رمضان وجهارا في البيت الذي يسكنونه حيث فرضوا على الطباخ الذي يطبخ لهم أن يطبخ لهم عداء في نهار رمضان وأكلوا والناس صيام فقام مجموعة من الطلاب من القوميين وضربوهم فسررت سرورا عظيما من هؤلاء الطلاب وأحببتهم حبا شديدا وقلت هؤلاء هم الأمل فتعرفت عليهم وتقربت منهم وعرفت أنهم يمثلون تنظيما آخر وقالوا : مبادئنا هي " وحدة" وحدة الامة عربية و" تحرر" تحرر الأمة العربية من الاستعمار و" ثأر " ثأر على اليهود فقلت : صلاح الدين الأيوبي سيعود بشكل آخر في هذا الجيل فالتحقت بهم ودعوت للانضمام معهم وأدخلت ثمانية من الطلاب معهم وكنت احارب البعثيين لأني مع القوميين العرب ولكني وضللت أدعوا زملائي للمبادئ الاسلامية وانصحهم وأذكرهم بأمور الدين فجاءني مجموعة من هؤلاء وقالوا : يا عبد المجيد قلل حديثك عن الدين لا تتكلم عن الدين لأن البعثيين سيقولون عنا أننا رجعيون فقلت لهم : لكن هذا ديننا ؟!
فقالوا :
ــ صحيح لكن قلل حديثك عن الدين وكانوا يخشون من حديث الطلاب البعثيين عنهم فقد كان الصراع بين الشيوعيين والبعثيين والقوميين على أشده كأنهم قبائل متناحرة وما ينقصهم إلا السلاح ليقتتلوا فقلت إذا كان هؤلاء الطلاب سيعودون إلى اليمن وهم يحملون هذه الأفكار والقناعات فهم نكبة على اليمن لانهم سيجرون البلد إلى الصراع والقتال .
ويواصل الشيخ سرد قصته مع القوميين حيث يقول : ( وحدثني الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بنفس هذا الحديث فتغيرت نظرتي لهم لكنني قلت ربما هؤلاء أفسدهم جو القاهرة المنفتح وفيه ما فيه من السينما والملاهي ولو عرفت بهم القيادة لأدبتهم وربما يكون القوميين العرب من ابناء الشام او العراق أو الأقطار الأخرى غير هؤلاء فجاءوني بالقوميين من الشام ومن العراق ومن كل الأقطار من المتواجدين في القاهرة ممن يعرفونهم فعرفتهم على حقيقتهم حتى رآني احد الإخوة حزينا وكان أكبر مني عمرا وخبرة في الحياة وكان يثني علي كثيرا ويشجعني فسألني :
ــ مالك حزين ؟
فأخبرته بالقصة فقال لي :
ــ أنت ماذا ترى في هؤلاء القوميين ؟!
ــ أثرت عليهم البيئة بيئة القاهرة المنفتحة .
ــ لا أنت غلطان الحزب كله لا يرى الدين شيئا هاما اقرأ في الكتاب الذي توزعه انت الآن هم يعتبرون الدين عاملا من عوامل القومية العربية وليس هو الأساس والأصل أتعرف من رئيسهم ؟!
ـــ رئيسهم جورج حبش وهو نصراني
ــ نصراني ؟!!
صعقت من حديث هذا الأخ وبعد أن عرفت أن الدين عندهم ثانوي وأن رئيسهم نصراني قررت الخروج من تنظيم القوميين العرب وظل همي في الثمانية الذين دعوتهم لهذا التنظيم فلما أحس القوميين العرب بأني سأتركهم قرروا أن يعقدوا لي ندوة نقاشية ومناظرة لقيادات منهم أمام هؤلاء الثمانية الذين قمن بتنظيمهم في القوميين العرب وكان حاضرا في تلك المناظرة فيصل الشعبي رئيس وزراء الجنوب سابقا وبفضل الله تغلبت على أولئك القادة وأفحمتهم وتأثر الثمانية بي وخرجوا معي وقالوا :
ــ ماذا نفعل ؟
وكانت في تلك الأيام دعوة عبد الناصر لفكرة الحياد الإيجابي رائجة فقلت لهم :
ــ هذه الأحزاب ما فيها خير ستجلب الشر لليمن ولذا سندعو للحياد الإيجابي ونبقى ضد الأحزاب وشكلنا تنظيما سميناه " الحياد " واجتذبنا غيرنا من الطلاب معنا ولكن بفضل الله إذا بالبعثيين والناصريين يوجهون أسئلتهم لنا ويقولون :
ـــ ما عقيدتكم ؟!
فكان من معي يسألوني :
ــ كيف نرد عليهم فقلت لهم :
ــ نحن مسلمون قولوا لهم هم :
ــ ما عقيدتهم ؟
وكانوا يردون بهذا فأرادوا أن يعملوا لنا مكيدة عند المخابرات المصرية فبلغوهم بأننا من الإخوان المسلمين ، وكان رموز وقيادة الإخوان في السجون ، ولا أحد يستطيع الاتصال بهم ، ولا يوجد بيننا وبينهم أي صلة ، فأردنا أن نحتاط لأنفسنا فقلنا :
ــ طالما وحال القوميين والبعثيين هكذا صراع شرس وفكرة الحياد التي نادى بها الرئيس عبد الناصر حينها فكرة مقبولة إذن نظهر الحياد ونخفي العمل الإسلامي ، واتفقنا على هذا وظللنا نتوسع في عملنا وندعو غيرنا حتى دعونا بعض شباب الأزهر من اليمنيين وغيرهم وحتى تكونت مجموعة كبيرة فقلنا حينها :
ـــ لا بد لنا من رأس ومرجع وقائدا لنا فاتفقنا جميعا على الأستاذ الزبيري رحمة الله تغشاه .
* اللقاء بالأستاذ الزبيري
ويمضي الشيخ عبد المجيد الزنداني في سرد قصته الشيقة وأحداثها حيث يقول : " كنت أول ما وصلت مصر للدراسة قد زرت القاضي الزبيري واستقبلنا استقبال طيب في مسكنه ولكن للأسف انقطعنا عنه لفترة فلما سمع هو اننا أسسنا حركة " الحياد " وسمع بأفكارنا أرسل لنا وقال " قولوا لعبد المجيد لماذا قطع زيارته لي ؟
فقلنا هذه رسالة منه بأن نأتي إليه فقرر إخواني أن يرسلوني إليه فاتفقنا على أني أزوره وقت صلاة المغرب حتى لا يكون في مجال للاعتذار بأنه أخر الصلاة وكذا هو أذن المؤذن لصلاة المغرب وأنا طرقت الباب فقال من؟ قلت :
ــ عبد المجيد الزنداني .
ثم سمعت حركة داخل الشقة ، كأنه كان يتوضأ ، فسررت أنه تأخر لأني جئت في وقت وضوء للصلاة .
فتح لي فعرفت أنه كان يتهيأ للوضوء وللصلاة فصلينا فقلت في نفسي ــ الحمد لله ، هو يصلي ، بقي أن أناقش أفكاره وأثبت إيمانه .!
صورة نادرة للأستاذ محمد محمود الزبيري في سكنه مصر
ثم بعد صلاة المغرب وبكل براءة شاب متحمس وحسن النية جلست أقنعه بالإسلام فأقدم له دليلا فيأتني باثنين ، أو ثلاثة أسوق له عبرة فيسوق لي ثلاثة وأربعة ، أفتح له بابا أو ميدان من الميادين فأجد به يحيط به علما ، وجلست معه إلى الساعة الواحد بعد منتصف الليل ، وكان عمري في ذلك الوقت حوالي 18 سنة تقريبا ، وكان عمره هو حوالي 45عاما .
ولما فعدت إلى زملائي قلت لهم :
ــ وجدنا شيخ ، وجدنا عالم ، وجدنا قائد .
فما صدقوا وقالوا:
ــ يمكن تقديرك أنت غير صحيح فانتدبوا معي أربعة لمقابلة الأستاذ الزبيري ثانية فذهبنا لمقابلته ، وكان معي أربعة أرادوا اختباره منهم : الأستاذ عبده محمد المخلافي ، وبعد النقاشات المستفيضة معه أقروا بما كنت قد قلته وقالوا :
ــ نشهد بأن ما قاله عبد المجيد كان حقا .
وبعد ذلك بايعناه أول أمين عام للحركة الإسلامية في اليمن ، وكنا 17 شابا ، كنا نواة الحركة الإسلامية في اليمن ، بما فيهم الأستاذ عبده محمد المخلافي ، وكان قد تأثر بتنظيم البعث العربي ، وكان معهم وكان يريد أن يأخذ بيدي إلى حزب البعث فقلت له :
ــ انني صاحب تجربة معهم.
وأضفت :
ــ لا يغرونك هؤلاء من تلاميذ جورج حبش وميشيل عفلق ، فإذا كان ــ ميشيل عفلق ـ مؤمنا حقا لماذا لا يسلم ؟!
فقال الأستاذ المخلافي:
ــ لقد كتب ميشيل عفلق كتابا عن " النبي العربي " .
قلت :
ــ إذا كان مؤمنا انه نبي لماذا لا يسلم ويدخل الدين الذي جاء به هذا النبي صلى الله عليه وسلم ؟!
ــ لماذا لا يصلي ؟!
وبعد نقاشات ترك حزب البعث ، وتحرك معنا ، وللأسف عرفت المخابرات المصرية بعد ذلك عن الأستاذ عبده محمد المخلافي وبعض الشباب أنهم ينتمون للحركة الإسلامية اليمنية " إخوان اليمن " فطرد من مصر وطرد معه بعض الشباب .
وأقول :
ــ بعد أن بايعنا الأستاذ الزبيري تحمس للحركة الإسلامية وفرح أن لديه مجموعة من الطلاب الطلائع.
وأقول :
ــ أخترنا الأستاذ الزبيري لأنه الرجل الوحيد الذي بقيت سمعته طيبة بين الطلاب جميعا ، فقد كان الزبيري من قادة الثورة ، ومن أعلام تنظيم الاتحاد اليمني المناهض لحكم الإمام ، وشاعر شهير ، وثائر معروف ، وخرج من اليمن عقب ثورة 1948 م وتوجه إلى باكستان كلاجئ سياسي ، ولما قامت ثورة مصر في 23 يوليو 1952م وكانت لها صبغة دينية بسبب مشاركة الإخوان فيها ، ولها سمعة طيبة جاء الأستاذ الزبيري إلى مصر ، وآوته الحكومة المصرية ، وظل في مصر ، وكان له نشاط سياسي معارض للإمام في إطار " الاتحاد اليمني " .
ووجدنا في القاضي الزبيري علم وفقه وخبرة وحنكة سياسية ومعرفة بعصره ، وكنا نتجول معه من مكان إلى مكان ، ومن شقة إلى شقة ، ونزور الطلاب اليمنيين في شققهم ، وفي منازلهم ، وكنا نمشي على الأقدام معه ، ونركب الباصات ، وكان نعم الأب والمربي الذي يربينا لننتشر ونتغلغل بين صفوف الطلاب في القاهرة ، وفي عموم مصر ، وبعد ذلك ننطلق إلى اليمن ، وكانت له اتصالات برجالات اليمن ومشايخ اليمن وبالأحرار والثوار والمشايخ والعلماء ، كيف لا وهو علم من الأعلام وزعيم سياسي معروف ؟!
ويضيف الشيخ الزنداني : ( كانت للأستاذ الزبيري اتصالات بالثوار في اليمن وذات يوم قال لي :
ــ استعد للسفر إلى اليمن سنرسلك إلى واحد من كبار القادة اليمنيين وهو : محمود الجائفي ، وهو محو التقاء الضباط اليمنيين الثوار ، وإلى العلامة أحمد سلامه في ذمار ، وهو عالم كبير ، ومن قادة الثورة ، لكني لم أسافر لليمن ؛ إذ توفى الإمام أحمد حميد الدين ، وتولى مكانه نجله الإمام البدر .
وحينها طلبت المخابرات المصرية الأستاذ الزبيري وقالوا له:
ــ الآن توفى الإمام أحمد وتولى البدر مكانه ، والبدر أمير ثوري ، والمطلوب منكم إصدار برقيات تأييد للبدر ، ورفض الأستاذ الزبيري تأييد البدر ، وللأسف خدعوا الأستاذ النعمان ، فأرسل برقية تأييد للإمام البدر ، وبثت تلك البرقية في إذاعة صنعاء حينها ، فتراجعت شعبية الأستاذ النعمان .
وأما الأستاذ الزبيري فرفض تأييد البدر ، وحين زادت الضغوط عليه أبدى استعداده للخروج من مصر ، ولم تكن السلطات المصرية تؤيد البدر ، ولكنها كانت تخطط لانقلاب ضد البدر مع الضباط الأحرار في صنعاء ، لكنها أرادت أن تزيح الطريق أمام عبد الرحمن البيضاني بأن تحرق صورة وشعبية الزعيمان: الزبيري والنعمان بهذه الحركة فهم عائق أمام البيضاني الذي سينفذ البرنامج المصري في اليمن ).
وعلى ذكر القاضي الزبيري ــ رحمة الله تغشاه ــ روى لي الشيخ عبد المجيد الزنداني أن القاضي الزبيري كان يخزن " يمضغ القات " وكان الشيخ الزنداني يأمل من الأستاذ أن يترك هذه العادة السيئة ، ويرى أن من الأفضل له تركها ، لكن الأستاذ الزبيري كان يتملص من إلحاح تلميذه بأعذار مثلا يقول :
ــ اليوم جاء عندنا ناس ومشايخ ولازم نجاملهم .
ــ اليوم نحن في مناسبة ولذا سنخزن فيها .
ــ اليوم جمعة .
ــ اليوم عندنا ضيوف .
المهم أنه كان يختلق أي عذر .
يقول الشيخ : حتى وافق يوم من الأيام وليس فيه أي مناسبة ، وحوصر الأستاذ الزبيري من تلميذه ، ولم يدر ما يقول فقال له الشيخ ــ اليوم ماذا ستقول يا أستاذ ؟
فقال الأستاذ الزبيري:
ــ سأقول : مولعي وعلى عينك .!
كان الشيخ يروي هذه القصة وقصص طريفة أخرى كان يرويها ، وأقول : من عرف الشيخ عن قرب يدرك كيف أنه شخصية مرحة ويمزح ويروي القصص ودائم الابتسامة إلا فيما ندر .
* مقتطفات من كتابي ( 15 عاما مع الشيخ الزنداني ـ قصص لم تنشر ـ مواقف مؤثرة ــ أحداث هامة ) والذي سيصدر قريبا بإذن الله