عظمة الأندلس.. تحوُّل مسجد قرطبة إلى كنيسة ورحلة تاريخية لطمس الهوية الإسلامية
شهدت قاعات مسجد قرطبة، الذي يُعد ثاني أكبر مساجد العالم في القرن الثالث عشر، تحولاً تاريخيًا استثنائيًا إلى "كاتدرائية تناول العذراء". والذي بني المسجد في عام 784 ميلاديًا على يد الأمير عبد الرحمن الداخل، وشهد توسعات وتعديلات عدة على يد الحكام الأمويين في الأندلس.
وفي عام 1236، عقب سقوط قرطبة في أيدي فرديناند الثالث، قررت السلطات تحويل المسجد إلى كنيسة، حيث أضيفت تعديلات كنسية، وتم إعادة تسميته بـ "كاتدرائية تناول العذراء". هذا التحول أحدث صدمة كبيرة في العالم الإسلامي، ولا سيما أن مسجد قرطبة كان يعد تحفة معمارية فريدة ورمزًا للحضارة الإسلامية.
ومسجد قرطبة تميز بتصميمه الرائع، حيث اعتمد على الأقواس والأعمدة الرخامية، وكان يحتل المرتبة الثانية عالميًا من حيث الحجم. كما استوحى التصميم من العمق الأفقي والبساطة والإبداع، مع سقف زينته الذهبية والرسوم الملونة.
وعلى مر العقود، حمل المسجد تاريخًا غنيًا ومتنوعًا، إذ شهد تغييرات في السيطرة السياسية والدينية. في عام 1984، أُدرج المسجد في قائمة التراث العالمي لليونسكو، وأُعيد افتتاحه للصلاة الإسلامية في عام 1981.
ومع ذلك، استمرت الجدل حول ملكية المسجد، حيث زعمت الكنيسة الكاثوليكية ملكيتها له. في عام 2006، تحولت الملكية رسميًا إلى الكنيسة، الأمر الذي أثار غضب واستياء الكثيرين. في سبتمبر 2016، أصدرت لجنة خبراء تقريرًا ينفي ملكية الكنيسة للمسجد ويطالب بافتتاحه للجمهور.
وعلى الرغم من الجهود الدولية والمحلية للحفاظ على هويته الإسلامية، استمرت السلطات الإسبانية في تعزيز الطابع المسيحي للمكان. وفي الثمانينيات من القرن الماضي، تمت إعادة تسمية الموقع باسم "مجمع المسجد والكاتدرائية والنصب"، وهو قرار تم اعتباره تطورًا إيجابيًا نحو الاعتراف بتاريخه المتنوع والمعقد.