المشهد اليمني
الإثنين 3 يونيو 2024 03:27 صـ 26 ذو القعدة 1445 هـ
المشهد اليمني رئيس التحريرعبد الرحمن البيل
حلم اللقب يتواصل: أنس جابر تُحجز مكانها في ربع نهائي رولان غاروس صدمة للنساء...ملايين من ملابس شركة ”شي إن ” تحتوي على مواد سامة تسبب السرطان والعقم 7000 ريال فقط مهر العروس في قرية يمنية: خطوة نحو تيسير الزواج أم تحدي للتقاليد؟ 55 يومًا لتحديد مصير الحوثيين وثلاثة خيارات امامهم يكشفها ناشط ومستشار حكومي موجة حر تاريخية تضرب الجنوب اليمني: الفاو تحذر من تداعيات كارثية طقوس الحسينيات الشيعية في صنعاء العروبة.. فيديو مؤلم يكشف ماذا فعل الحوثيون بـ”أصل العرب” ”حرمان خمسين قرية من الماء: الحوثيون يوقفون مشروع مياه أهلي في إب” فضيحة: شركات أمريكية وإسرائيلية تعمل بدعم حوثي في مناطق الصراع اليمنية! أرواح بريئة تُزهق.. القتلة في قبضة الأمن بشبوة وتعز وعدن فيديو صادم يهز اليمن.. تعذيب 7 شباب يمنيين من قبل الجيش العماني بطريقة وحشية ورميهم في الصحراء هل ينال قاتل الطفلة شمس عقوبته العادلة في عدن؟.. محاكمةٌ تشدّ الأنظار رفض فئة 200 ريال يمني في عدن: لعبة القط والفأر بين محلات الصرافة والمواطنين

رد المُدعى عليه بـ «الاستخفاف»

.. ونعود إلى «عكاظ»

لأنها السوق، والجريدة الأم، وهذه المرة يستدعيني مقال كاتب أسبوعي، يذكرني اسماً، ويصف ما كتبته عن الفريق «علي محسن الأحمر» بـ«الاستخفاف»!

لا أدري، كيف خفّ الأمر، والتبس عليه، وقد كان في أربعة آلاف كلمة، جمعت بين الانطباع والسياسة والأسئلة المثارة، والإجابات المتوارية بالحكمة والتوازن، والرسائل الهادفة.

كان «حمود أبوطالب» من استدعاني إلى «سوق عكاظ»، صاح بأعلى صوته وجمع حوله الناس، وأوغل في هجاء الشرعية اليمانية، ثم عرج إلى اسمي، ساخراً، ولأني لستُ مكلفاً بالرد نيابة عن قيادتنا السياسية، فقد أكون ملتزماً بالتعقيب على ما يلزمني من جانب الرأي، فلم تكن هذه مرة «الأستاذ حمود» الأولى، فمنذ ليلة عاصفة الحزم الملحمية، كان أخونا يُبطِن الرسائل في مقالاته الأسبوعية من «عكاظ»، مع احتدام تعقيدات طالت الحرب، ولم ننتهِ منها حتى اليوم.

هذه المقالات الناقدة التي تُتلى في صحف سعودية، تبعث إيحاءات إلى الداخل اليمني، دون إدراك لمسته بنفسي، أن حرية الرأي المبثوثة في صحف المملكة لديها المساحة الملتزمة طالما لا تنقض ثوابت الأمة السعودية العظيمة وقيمها عالية الكرامة وتفاؤلها المذهل بمستقبلها الواثق.

ومن هنا، فما أثار حنق «أبو طالب» لم يكن حجارة مسبحة زرقاء أو رومانسية لقاء، إنما تركيز الفريق «علي محسن الأحمر» على أمرين رئيسيين: أولهما: علاقة اليمن الاستراتيجية بالمملكة العربية السعودية والتحالف العربي بكل دُوله، بما فيها دولة الإمارات العربية المتحدة التي تمنى المتربصون أي حرف ينحي نحوها حزنه، فخاب أملهم!. وثانيهما: تأكيده وشرحه الدقيق الخبير لخطورة السُلالية العلوية التي بات ذكرها يستدعي منتسبيها بحمية عصبية، وإن كانوا خارج حدود المعركة.

التاريخ في اليمن يتكرر، ذلك هو العنوان العريض لكل ما يحدث، ولكل ما حدث، وآفة كل حرب اندلعت في اليمن منذ ألف ومئتي عام تقريباً، كانت بلادي مسرحاً لآخر سلطة إمامية في العالم، كلما هزمنا عائلة إمام دعيّ، قفزت عائلة أخرى بحشد الاتباع لإمامة جديدة من منطقة أخرى، وهكذا مثل حبات الفشار، تناقز نافر، بلا هدى سوى السلطة والرغبة في القفز واعتلاء المكانة. هذه حقيقة ما دار، وبها وعبرها تُفسّر الحوثية لمن أراد الفهم حقاً.

في سنوات التيه الذي لم يطل على السلاليين الرسيين - العلويين عقب انتصار ثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢م، وخلع آخر إمام عنصري، انتقلت الإمامة من اليمن إلى إيران في فبراير ١٩٧٩م، مع وصول «خميني» بطائرة إفرنجية إلى طهران الثائرة التائهة، واستعاد الإماميون أنفاسهم، فلم تكن إيران مطلقاً قد عرفت المعنى «الزيدي» للإمامة الذي استعاره «خميني» من الزيدية وأدخله في أهم مبادئ الاثنى عشرية، وأخرج به خلطته التي أطلق عليها «ولاية الفقيه».

هكذا تحدث «علي محسن»، كان يشرح حقيقة المعركة التي استدعت حشداً إيرانياً شرساً ومتصلاً، قائلاً: نحن لا نحارب الحوثيين، بل نواجه إيران وجهاً لوجه. وعندما تثير هذه الإجابة حفيظة من يريد الفهم، سيقفز السؤال: وما الذي تريده إيران؟ وقتذاك كان «محسن» يُفسِر ذلك بأنها حرب عقائدية، وليست سياسية. بمعنى آخر أراد القول إنها حرب إبادة وتهجير وتغيير ديموغرافي ومذهبي لكل من لا يؤمن بعقائد إيران وميليشياتها الدائرة حول الجغرافيا العربية المقدسة.

لو كُنت حاكماً يختصم مع إيران وميليشياتها بالسلاح والاقتصاد والسياسة، لجعلت «محسن» مستشاراً فاعلاً يُرجّح قوله، ويُؤخذ برأيه، وقد قال في «عكاظ» الجريدة التي تبوأت الصدارة، قولاً نافعاً، ومد يداً بيضاء نحو منافسين سياسيين محتملين، فأثار ذلك رعب الذين يقتاتون على الأزمات والفوضى.

لقد أثبت «نائب رئيس الجمهورية اليمنية» أنه ليس «أمير حرب» بل «مواطن يماني» ألقته الأقدار ليخوض دوراً سياسياً وعسكرياً في يمن «علي عبدالله صالح»، ومقاتلاً لم تفت السنين عضده وتُضعف حيويته في شرعية «عبدربه منصور هادي»، قالها بصراحة: سأكون جندياً مع أول قائد عسكري يدخل صنعاء. هذا التنازل المقدم على ورقة بيضاء يصنع الفارق بين اليماني ونقيضه صاحب الهوية السُلالية الذي يرفض التنازل حقناً لدماء اليمانيين ودماء سلالته.

كان هذا مختصر المقال الذي أخرج قيادة الشرعية من صمت مكروه، مقال لم يُجِب عن كل شيء، فكل مراقب ومهتم بالشأن اليمني لديه ألف سؤال، ولا نستطيع اليوم الإجابة عن جميعها، فبعضها يقال، والبقية تبقى لوقتها، والكثير منها يدفنه الوقت والموت.

إنه الصمت الذي تحول إلى صيحة وعي، وقابله نكير ناكرين، وغضب منافقين وحنق سُلاليين، وهي ذات العقائد التي جعلت أحزاننا كزبد البحر سائلة على ساحل العالم الأخير، وحفزّت من لا يمل في إظهار عدم الرضى عن كل شيء يختص بالشرعية اليمنية.

لقد كتبت مقالي بأسلوب انطباعي، وهو فن من فنون التحرير الصحفي، فن أصيل معترف به، وقدمت «محسن» الإنسان، حُمت حول حياته، وأفكاره، وقبضت قبضة من أثر ذكرياته، سألته قدر ما أتاحت لي طبيعة السياسة والمعركة، وأجاب من واقع خبرة أربعين عاما، ولأنه «علي محسن» كان ظهوره مثيراً لآلاف الراقدين على تخوم الرغبة المتآمرة، فخرجوا أفراداً وجماعات لممارسة الردح حتى يؤثروا في الرأي العام بسلبية موجّهة، ولم يفلحوا. كانت النخب الناضجة قد استوعبت رسائل «نائب الرئيس اليمني»، وكفى.

* نقلًا عن صحيفة عكاظ السعودية