الحل العُماني للمأزق الحوثي
في صنعاء المغلولة، كان الوقت يراقب الحوثيين وهم يطوون الورقة الأخيرة من كتاب خطاياهم. جاءهم الوسطاء العمانيون بوجهٍ مغمور بالتعب، وبصوت لا ينزلق إلى التوسل ولا يغرق في الوعيد. "الحل الذي بين أيديكم ليس اختيارًا، إنه نجاةٌ أخيرة."
قالوا لهم بعبارة ملساء، تنساب ببطء كحد السكين: "إما أن تصبحوا حزبًا سياسيًا معارضًا، تُعيدون به وجهكم من الرماد، وترفعون عن صدوركم هذا القيد الإيراني. مصالحكم وأموالكم محفوظة، والعفو لا يزال ممكنًا، كما حدث يوم أسكت العلويون في سوريا بنادقهم ودخلوا تحت سقف السياسة."
ثم التفتوا إليهم، بلهجة تنزع عن الصمت رداءه: "وإلا .. لن تجدوا ضمانة، لن تمسكوا حتى بأطراف الهواء. صنعاء تغلي كالأرض قبل الانفجار. الناس يختزنون الغضب في قلوبهم كدينٍ مؤجل، سيُستوفى يوم أن تُفتح الأبواب بحدّ السيف. لا عاصمة تُحكم بترسانة الغرور إلى الأبد، ولا شعبٌ يتسامح مع جلاديه حين يُكسر القيد."
وسط هذا الحوار المشوب برائحة الدخان، جلس الحوثيون مشدوهين؛ كأنهم يسمعون للمرة الأولى صدى أصوات الداخل التي حوّلوها إلى أصداء في قيعان السجون. أي سيفٍ هذا الذي بات مسلولًا فوق رؤوسهم؟
الوسطاء لم يكونوا رسل سلام؛ بل كُتّاب مشهد أخير. قال أحدهم وهو يلملم أوراقه قبل المغادرة: "التاريخ يُمهل الطغاة، لكنه لا يغفر لهم. ساعة الحقيقة أقرب مما تظنون."
* * *
صنعاء، ببيوتها المتعبة وأزقتها الصامتة، انتظرت طويلًا أن ترى هذا اليوم. الأرض تعرف متى تثور، وحين تُفتح الأبواب، لن تميز الريح بين ظالم ومستتر.
اليمن الذي اختطفوه سيعود، والأصوات التي كتموها ستُسمع كهدير يكتب: "الحرية تُشترى بالتضحيات، والطغاة يُدفعون إلى الهامش ولو بعد حين."
وبينما خرج الوسطاء تاركين خلفهم صمتًا أثقل من الجبال، بقي الحوثيون يحدّقون في الفراغ .. الفراغ الذي صنعوه بأيديهم، وأدركوا أخيرًا أن الأمل الذي أُعطي لهم كان أقرب إلى طوق نجاةٍ رُمي في بحرٍ ثائر.
.. والله يتولى الصالحين.