الجمعة 13 ديسمبر 2024 08:02 مـ 12 جمادى آخر 1446 هـ
المشهد اليمني
Embedded Image
×

عبدالرقيب عبدالوهاب.. لماذا اغتيل بطل السبعين؟!ً (4)

الجمعة 8 نوفمبر 2024 09:35 صـ 7 جمادى أول 1446 هـ

الطائفية والمناطقية عدو اليمن الأزلي
ستظل العصبية الطائفية والمناطقية، ومنطق أنا خير منك، هي داء اليمن العضال، وعدوه الأزلي والأكبر، الذي إن تحررت منه وتغلبت عليه ستتغلب اليمن على كل مشاكلها، ويمكن أن تنهض بعد ذلك.
بينما لا تزال الجمهورية والشعب اليمني حديثَي عهد بالإمامة والطائفية العنصرية والسلالية المقيتة التي زرعتها الإمامة في الشعب طيلة أكثر من ألف عام؛ فليس من السهل التغلب عليها إلا بأدوات صارمة؛ من خلال سن تشريعات وقوانين ومناهج قوية تجرم الطائفية والسلالية والعنصرية بكافة أشكالها، تكون هذه التشريعات والقوانين مدعومة بقوة أجهزة ومؤسسات الدولة، تفرضها بقوة القانون والتشريعات العادلة، وتطبقها بالعدالة الصارمة ودحرجة الكثير من الرؤوس اليانعة فيها، حتى تقضي على هذه الآفة المدمرة التي دمرت اليمن في جميع المجالات.
وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مراعاة مثل تلك السياسات التي قد تفضي إلى دسائس ومشاكل تضر الأمة الإسلامية ولم تتخلص منها بعد كبعض الأعراف والمعتقدات، والتي منها على سبيل المثال هدم الكعبة وإعادة بنائها مجدداً، فيقول لعائشة –رضي الله عنها-: "يا عائِشَةُ، لَوْلا أنَّ قَوْمَكِ حَديثُو عَهْدٍ بشِرْكٍ، لَهَدَمْتُ الكَعْبَةَ، فألْزَقْتُها بالأرْضِ، وجَعَلْتُ لها بابَيْنِ: بابًا شَرْقِيًّا، وبابًا غَرْبِيًّا، وزِدْتُ فيها سِتَّةَ أذْرُعٍ مِنَ الحِجْرِ، فإنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْها حَيْثُ بَنَتِ الكَعْبَةَ"، فترك هدمها وإصلاحها خشية على الأمة من الفتنة.
ظلت السياسة الطائفية وفتنتها، التي أرست دعائمها الإمامة بين اليمنيين، تحت مبدأ سياسة فرق تسد، لها تأثيراتها السلبية وامتداداتها إلى الجيش الجمهوري، ولا ننسى أن معظم الضباط في الثورة كانوا جنوداً في جيش الإمام، لذلك حدثت الفتنة الطائفية أكثر من مرة بعد الثورة، قبل 1965، وبعد انقلاب 5 نوفمبر 1967، وكان الإرياني يوعز بعضها إلى الجانب المصري في إذكائها، وعلى إثرها تم التعامل الطائفي والمناطقي ضد من فكوا حصار السبعين كعبدالرقيب عبدالوهاب والشيخ أحمد عبدربه العواضي وعبدالغني مطهر وزايد الوحش ومحمد صالح فرحان وحمود ناجي وعلي مثنى وغيرهم، حتى أن عبده محمد المخلافي قيل إن وفاته بحادث السير كان عملاً متعمداً اغتيالاً في مايو 1969 بعد أشهر قليلة من تصفية عبدالرقيب، خاصة وأن المخلافي كان يشغل منصب نائب رئيس المقاومة الشعبية عن تعز المساندة لفك حصار صنعاء.
وتكرست هذه الطائفية والمناطقية في القوات المسلحة والأمن على وجه الخصوص، بينما في الجانب المدني لا تكاد تذكر إلا قليلاً، وقد ظلت مسيطرة في الجانب العسكري حتى وقتنا الراهن، وخاصة في المناصب العسكرية وقيادات المعسكرات والألوية، ولكن بشكل أقل مظهراً وحدية؛ فقد صار اليوم أشبه بالامتزاج والتجانس إلى حد كبير مع بقاء القلة القليلة منها، وزاد الطين بلة الانتماءات والولاءات الحزبية، التي الأصل فيها التحريم الدستوري في المؤسسات العسكرية، فقد رأينا في الحرب على تعز ما يكفي من التحريض والاستهداف وحتى تصنيفها من قبل الشرعية بأنها قطاع منفصل، هذا القطاع لم يصله من التموين والاهتمام والسند ربع مافي الجبهات الأخرى، ولم يفسر لنا حتى اليوم ما معنى قطاع منفصل، ناهيك عن كثير من المظاهر التمييزية في جبهاتها العسكرية!
بعد انتصار الجمهوريين في حصار السبعين، ولأسباب عديدة ذكرناها متفرقة في فقرات سابقة، انقسم العسكر والقبائل الجمهورية، بحسب قول الإرياني، طرفين؛ طرف شافعي وطرف زيدي، وظل الطرف الزيدي هو المسيطر على الدولة والذي يصفي الطرف الآخر في كل مرحلة؛ فصفيت المظلات والصاعقة المحسوبة طرفاً، وتم تقوية الطرف الآخر، وصولاً إلى تصفية صالح كل مشايخ الحجرية؛ كونه كان أحد رؤوس فتنة 23 و24 أغسطس، وظلت هذه النظرة العدائية حتى بعد توليه الرئاسة؛ فقد كرس عسكره في تعز بعيداً عن الخطر الإمامي الحقيقي؛ فمعظم قواته تتمركز في تعز بينما صعدة وحجة الإماميتين تاريخياً وثقلاً خاليتان من التواجد العسكري إلا قليلاً، مما أتاح الفرص للإمامة أن تنشط في صعدة وتعيد ترتيب صفوفها ومن ثم الانقلاب على الدولة بتحالفه مع الإمامة، وظلت آثار صراع أغسطس، التي كان صالح طرفاً متشدداً فيها، في نفسه حتى بداية الثمانينات، حينما استلم السلطة لتصفية آخر مشايخ الحجرية الشيخ أحمد سيف الشرجبي.
بعد المصالحة بين الجمهوريين والإماميين التي تمت في نهاية مارس 1970 دخلت عناصر إمامية الصف الجمهوري، وكذلك عناصر مناطقية عملت على تدمير وفكفكة القوات المسلحة من داخلها والإساءة لها، وعودة الأشخاص الذين كانوا يقاتلون لصالح الإمامة، إلى العمل مع الجمهورية، على أن يعود كل برتبته ودرجته، عسكرياً كان أم مدنياً. وهكذا، ومن أجل إنجاح هذا المخطط، تم تكليف من يسعى لتلك المبادرة/المخطط لإجراء المصالحة عام 1968م.(كانت اولى خطوات المصالحة في هذا العام بينما تم تتويجها في مارس 1970).
من قراءة مذكرات الإرياني بدقة فقد كان دائم الوقوف مع الطرف (الزيدي)، ويحمل الطرف (الشافعي) كامل المسؤولية، ليس في عهد رئاسته وحسب بل حتى من العام الثاني للثورة أيام السلال، وإن كان يلبس ذلك التحيز لباس الحياد والناصح المطفئ للحرائق الطائفية والمناطقية أحياناً، نستخلص ذلك من كتاباته نفسه في مذكراته وليس مما كتبه عنه الآخرون، فقد كان يدس المواضيع الطائفية دساً تصاعدياً من بدايات مذكراته خاصة الجزءين الثاني والثالث، بعكس أصحاب الشأن الأحمر وأبو لحوم والمطري، وربما كان هو الصريح بينهم يتحدث عن ذلك المنطق بشكل صريح ومباشر.
دعك من جانب البيضاني الذي كان طائفياً مقيتاً لا يختلف على ذلك اثنان، وهو كان يعمل مخبراً في الأساس لصالح أجندة معينة في أعلى أجنحة الدولة المصرية التي تتعامل مع أمريكا ضد عبدالناصر نفسه (السادات)، ولكن نتحدث عن شواهد أخرى يوردها الإرياني بعضها تحريضية وبعضها غمزاً ولمزاً، ويتخذ بعضها ذرائعية لأجندة معينة، دون أي تبرير لعذر، أو تفسير على سبيل الخطأ، أو حملٍ على الإيجاب أو التوهم، وكان في سلوكه تحيزاً واضحاً، والشواهد التي سقناها في أكثر من فقرة أعلاه تغنينا عن التكرار، وأنا في غرابة شديدة من ذلك كون البعض يحسبه على الطرف الشافعي. لينما هو زيدي المعتقد وابوه مؤرخ الإمام المنصور!
لم تتح مصادر كتابية عن الطرف الآخر ليدافع عن نفسه أو يبرر ما حصل؛ فقد اغتيل قبل أن يكتب أو يدون، إلا من بعض الكتابات المتفرقة في الصحف كمقالات لكتاب يساريين، ولا يخلو دخان من نار في هذا الجانب؛ أي أننا لا نبرئ طرف عبدالرقيب من الشطحات والتطرف التي اعتاد عليها اليساريون في شعاراتهم المعروفة، إلا أن يكون حماقة شديدة دون اعتبار مآلاتها وحسبان حساباتها الدقيقة.
وقد ألمح الشعيبي إلى شيء من التطرف من جانب الشباب وفي مقدمتهم عبدالرقيب، فيقول:
وصلت هذه الصراعات المحمومة بين ممثلي الجديد المتطرف [طرف عبدالرقيب] والقديم المتصلب والمتزمت [الإرياني ومعه المشايخ والضباط المحسوبون عليهم] إلى أن وصلت هذه العملية إلى الذروة، مع فشل كل المحاولات التي قام بها العشرات من الوطنيين الخيرين، وعلى رأسهم الأستاذ المرحوم محمد عبده نعمان الحكيمي، الذي جوبهت وإياه بذلك الجدار الصم الذي كان قد وقف بدوره بعد اللقاء مع كل من عبدالرقيب الحربي وسعيد الجناحي اللذين ركبهما الغرور بامتلاك السلاح والسيطرة على المؤسسة العسكرية، ولم يستمعا إلى صوت العقل، ونجحا في دفع عملية الاقتتال بين إخوة السلاح إلى نهايتها، وتدمير بنية القوى العسكرية الجديدة.أ هـ
فبحسب شواهد معينة عند كتابة آخرين عن القصة برمتها لا تخلو سياسة عبدالرقيب من مآخذ باعتبار الطيش الشبابي، والنزعة الثورية التي كان يتهم بها الحرس القديم (ثوار 48) بأنهم ليسوا متشربين للمبادئ الثورية بما فيه الكفاية، وربما التعصب الحزبي والشعارات الرنانة التي غالباً ما يرددها اليساريون منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم، دون العيش في الواقع العملي للتنفيذ ودون الأخذ في الاعتبار الظروف الموضوعية والواقعية، ودون الاعتبار والملل والتجديد في أساليبهم وشعاراتهم، وأخذ الدروس من الماضي وكأن الزمن توقف بهم عند تلك الأحداث، مثل العالمية والثورية العابرة والتقدمية والقومية العابرة؛ فقد كان يشار إلى مثل هذه الشعارات عنده وبعض رفاقه، والتهكم من الآخرين باعتبارهم رجعيين إقطاعيين متخلفين ومحافظين راديكاليين، كما كانوا يصفون الإرياني والمشايخ عبدالله الأحمر وسنان أبو لحوم ومجاهد أبو شوارب وعلي المطري ومحمد علي عثمان والنعمان الأب وغيرهم، مما جعل هؤلاء يوحدون جهودهم ضدهم، تساعدهم الحاضنة الشعبية والثقافة السائدة منذ عهد الإمامة التي لم تبارح الساحة السياسية إلى اليوم في التعصب المناطقي القبلي والعنصري، وجعلهم متمسكين بهذه السلطة يقاتلون عليها غيرهم حتى اليوم، وإن كان غيرهم مخلصاً للجمهورية، وباستخدامهم نفس الشعارات والأدوات والمصطلحات في محاربة "الشيوعيين والحزبيين والماركسيين والتقدميين الذي يعملون ضد الدين وضد الله"!
هذه الشطحات والمواقف غير المدروسة والمحسوبة ستدفعهم بعد ذلك لانقلاب الناصريين على الرئيس صالح عام 1978، بسبب امتلاكهم بعض الأسلحة والمعسكرات البسيطة، دون اعتبار لموازين القوى بين الطرفين، في مقابل محيط طامٍ من الحاضنة الشعبية والمناطقية والمعسكرات المتعددة في صنعاء وما جاورها، وحتى في تعز التابعة للسلطة المركزية فقد كانت معسكرات صالح تنتشر فيها بكثرة، ونتيجة لها خسر الناصريون خيرة رجالهم ورجال اليمن بما ترتب على ذلك الانقلاب من تصفيات وإعدامات وإقصاءات وإخفاء ونفي خارج الوطن وتركيز السلطة بيد جهة وأشخاص محددين، وتعزيز سلطة القبائل، وإن كان ظاهره عسكرياً إلا أن العسكر كانوا يد ووجه تلك القبائل ويعملون تحت سلطتها ونفوذها، ثم التفرد بالحكم دون شراكة مع الآخرين.
من خلال مراجعة بعض الأحداث والمصادر نجد أن تهمة الطائفية والانقلاب لم تنحصر على عبدالرقيب ومن معه فقط، كما هو الأمر عند الإرياني، بل امتدت لتطال أناساً خارج منطقتي تعز وإب، وعلى سبيل المثال العقيد الحوري من ريمة، تم مداهمة منزله في صنعاء القديمة ونهب كل ما فيه، وإطلاق النار على أسرته وعلى زوجته حتى بترت قدمها، متهماً الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في ذلك، على الرغم من أن الحوري كان مقرباً ومؤيداً للإرياني ومن أقطاب الانقلاب على السلال في 5 نوفمبر دعماً للإرياني، وهذا يعطينا أن الأمر كان أشمل ومدبر، وله ما يؤيده على أرض الواقع؛ ففي الوقت الذي كان الجميع وعلى رأسهم الإرياني يتهم البيضاني بالطائفية أيضاً وتأجيجها في بدايات الثورة إلا أن البيضاني ظل سفيراً في بيروت مدة طويلة حتى في عهد الإرياني نفسه، وقد أورد أن البيضاني كان "في صراع مع النعمان على تزعم الجانب الشافعي"، وقد استعرض الإرياني هذه النقطة على سبيل اللمز بحق النعمان مع أنه صديقه ورفيق دربه وأقرب السياسيين إليه، في أن بعض دوافعه طائفية حين اختلف معه في بعض الفترات خاصة بعد انقلاب الإرياني الذي عارضه النعمان بعد فترة من اتضاحه أنه لم يشرع في الخطوات التي سعيا إليها مع بعضهما في التصالح وعدم الزج بالناس في المعتقلات، حتى لا يكون انقلابه مدخلاً وتأسيساً لانقلابات أخرى، كما في رسالة له إلى الإرياني بعد الانقلاب، وهو ما كان بالفعل!
لقد بدأت حملات تصفية الكوادر المحسوبة على طرف الشافعية بعد تلك المواجهات حتى في الجانب المدني ولم تقتصر على الجانب العسكري، فمثلاً قام رئيس الوزراء محسن العيني بتعيين علي لطف الثور بدلاً عن رئيس البنك محمد سعيد عبدالرحمن، وتعيين يحيى الديلمي بدلاً عن مديره، وتعيين يحيى جغمان نائباً لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، وقد عارض الشيخ محمد علي عثمان هذه التعيينات واعتبرها تصفية للجنوبيين، أو بعبارة أصح للشوافع، وإحلال الزيود محلهم، بحسب مذكرات الإرياني، خاصة وتلك التعيينات تأتي بعد فتنة لم تندمل جراحها بعد، واعتبرت فتنة فوق الفتنة، فقام العيني يراجع عثمان فيها مبرراً له إياها!
كما حاول العيني تغيير محافظي محافظات الحديدة وتعز والبيضاء واستبدالهم بشخصيات من غير مناطقها ربما كانت تثير الحساسية مجدداً بينها يحيى المتوكل.
ستظل تهمة الحزبية والتقدمية حتى بعد تصفية تيار عبدالرقيب من قبل المشايخ تعارض وجودهم في الدولة وفي البناء، وهو ما كان يشكو منه كل من يشكل الحكومة أو يسعى لمأسسة الدولة حتى اليوم.
....يتبع