نضال الملابس الداخلية
في العالم الغربي الذي يفتخر ويشجع الفردية وحرية التعبير، تجد أن لديه الكثير من التناقضات والتحيز تجاه أحداث لنقل إنها فردية، لكنها تحرك المجاميع للمناصرة والتأييد في حالة، والهجوم والتشويه في حالة أخرى، الفرق هنا أن الأولى تتماشى مع منظورهم للتمدن والحرية، أما الأخرى فهي تمثل الرجعية والتخلف!
دعونا نتعمق في هذا الانقسام الواضح للاحتجاج، حيث يبدو أن الشيء الوحيد الأكثر إثارة من السلوك هو رد فعل الجمهور! سأقدم حالتين الأولى لفتيات مسلمات أصررن على ارتداء الحجاب في مجتمع غربي، لن أقول إن جميع من تواصل معهن لم يتعامل باحترام، لكن في بعض الأماكن لا بد وأن يحدث وأن يتعرضن على الأقل لنظرات الاستهجان والرفض، بل في بعض الأحيان قد يتعرضن لكلام جارح، إن لم تتعرض حياتهن للخطر من اعتداء من قبل أحد العنصريين ممن يعطي لنفسه الحق في التهجم وسحب الحجاب من على الرأس، كما حصل في مظاهرات دعم غزة لبعض الفتيات من قبل السلطات المحلية هناك، السؤال الذي يطرح نفسه هل لو كانت ترتدي إحداهن فقط ملابسها الداخلية في تلك المظاهرات، هل كان تم سترها بشيء ما حتى ولو كان كيسًا من البلاستيك؟!
ولا ننسى المرأة في حديقة في فرنسا التي تم التهجم عليها وقتلها، هل قامت الدنيا وقعدت عندهم؟ هل أنشئ لها «وسم» على منصة «X» مطالبًا بحقها واعتراضًا على هذا التعدي على الحرية الشخصية التي يؤمنون بها لدرجة التقديس؟! ولا كأن روحًا أزهقت من قبل متطرف همجي!
وصلنا الآن للمشهد الثاني، وهو حديث، طالبة جامعية في بلد إسلامي خلعت ملابسها ومشت بين الطلبة تستعرض ملابسها الداخلية فقط، اعتراضًا على قوانين الحجاب وطرق تطبيق تنفيذ هذه القوانين. المشهد استمر، على الأقل ما عرض منه على وسائل التواصل الاجتماعي، أكثر من 15 دقيقة، حيث لم يتم التعرض لها أو الاقتراب منها من أي أحد ممن كان حولها؛ بمعنى ولا كأنها كانت موجودة، أي لو كانت شبحا ربما وجدنا رد فعل ما من أحدهم! وبدأت حملات التأييد والمساندة ونسج القصص والروايات؛ تارة كانت سجينة في مستشفى للأمراض النفسية، وتارة أخرى الضرب حتى الموت، وتارة التعذيب والإذلال، فعلًا جيب السبع ما يخلى عند الحاجة للتأليف وجمع التأييد على حساب طالبة أظهر المشهد أنها تعاني نفسيًا أكثر مما كان يظهر أنها تتحدى أو تناضل كما صوروها.
و«عاللي جرى» من صدى لهذا الحدث، مع الاعتذار للفنانة «عليّة التونسية»، وسوف أحكي لكم ما جرى على شبكات التواصل الاجتماعي؛ تحولت الفتاة أو الطالبة إلى أيقونة نضال وأنزلت صورتها في منشور وهي شبه عارية مع صورة الطالب الذي وقف في الساحة الحمراء في وجه الدبابات، وصورة الرجل الذي كان جالسًا في إحدى خطب هتلر والوحيد الذي لم يكن يصفق، بمعنى تحدي «داوود أمام جالوت» كما يطلقون على هكذا حالات! انهمرت تعليقات التأييد والتعاطف، لم يبق إلا أن تنتشر وسوم على وسائل التواصل الاجتماعي مثل #عري إيمانك و#نضال الملابس الداخلية!
لقد أبدى المعلقون إعجابهم بجرأتها وقال أحدهم: «أخيرًا، هناك شخص لديه الشجاعة الكافية ليُظهر لنا ما يعنيه أن تكون حرًا!» بل إن صورتها وهي بملابسها الداخلية تحولت إلى لوحات فنية، طبعًا الفن يجب أن يدخل على الخط ويستغل الحدث من أجل الانتشار والاستفادة ماديًا؛ تأييد «ببلاش» لا يفيد إلا إذا كان لأسباب أو أجندات أخرى مبيتة! لقد شهق «أراجوزات» الغرب في رهبة!
«يا لها من شجاعة!» وبكوا تأثرًا وهم يتابعونها تتبختر في الممرات الخارجية للجامعة كعارضة أزياء! فعلًا، من يحتاج إلى قماش على الرأس عندما يمكنك إزالته من الجسم بالكامل! والتي ارتدت حجابها بفخر وكأنها تقول: «لدي الحق في الاختيار!» للأسف، لقيت رسالتها بشأن التمكين آذانًا صماء - أو بالأحرى آذانًا انتقائية، وفي تطور مذهل، كان الأفراد الذين أشادوا بمناضلة التعري باعتباره عملًا ثوريًا، مشغولين بصياغة انتقادات حادة، حيث قال أحدهم: «كيف تجرأت؟»، بينما قال آخر: «ألا تعلم أنها مجرد أداة للقمع؟»، وآخر: «يا لها من مأساة!» وتساءلوا: «لماذا يختار أي شخص عن طيب خاطر ارتداء الحجاب؟»
إنه سؤال يتطلب بالتأكيد الحصول على درجة الدكتوراه في الأخلاق للإجابة عليه - أو على الأقل بعض مقاطع فيديو «تيك توك» عندها قد تتضح لهم الصورة! المفارقة، أيها القراء الأعزاء، أن الأمر يبدو كما لو أن المجتمع الغربي يقول: «يمكنك الاختيار، ولكن فقط إذا وافقنا على اختيارك!» ولكن دعونا لا ننسى الدرس الأكثر أهمية هنا: الاختيار يكون صالحًا فقط عندما يتماشى مع السرد السائد حول التمكين.
إذا كان اختيارك لا يتناسب تمامًا مع الليبرالية الحديثة أو العولمة الشاملة؛ كما يسميها الراحل الدكتور عبدالوهاب المسيري، فقد تجد نفسك على الطرف المتلقي لرد فعل عنيف على وسائل التواصل الاجتماعي.
إذًا، ما الذي يمكننا استخلاصه من هذه الملحمة الهزلية؟ ربما يكون الأمر في مسرح الرأي العام أن السيناريو غالبًا ما يكتبه أولئك الذين يصرخون بأعلى صوت. ويبدو أن المفارقة في الاختيار هي أنه يأتي مصحوبًا بطباعة دقيقة تقول: «فقط إذا اتفقنا معك».
*الوطن السعودية