الأحد 8 ديسمبر 2024 01:26 صـ 7 جمادى آخر 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

الأبويّة الفكريّة وجنايتها على العقل

الإثنين 4 نوفمبر 2024 03:35 مـ 3 جمادى أول 1446 هـ

مهما أبدع العقل الإنساني إلا أنّ إبداعه يبقى حقائق ناقصة، وقد تتعرضُ هذه الحقائق والمسلّمات لاهتزازاتٍ بين الحين والحين؛ بل لقد يتم دحضها، كما فعل انشتاين مع حقائق ومسلمات نيوتن "ابي العلم الحديث"، والتي ناقشها باستفاضة الدكتور علي الوردي في كتابه وعاظ السلاطين.

الآبائية الفكريّة ليست مشكلة إسلامية أو عربية فحسب؛ بل ظاهرة إنسانية قديمة/ جديدة، فعلى ما يمتاز به العقل الصيني من إبداع في شتى المجالات إلا أنّ عقله الجمعي على الصّعيد الفلسفي قد تكلَّسَ وتوقف نهائيا بعد كونفوشيوس ولاو تسو؛ بحكم الذهنيّة الصّينيّة التي تقدسُ الآباء وتحترم الكبار بصورة مبالغ فيها أحيانا، وترى في مجرد نقدهم مساسًا بكرامتهم. القيم الصينية قيم أبوية، للكبير عندهم قيمته الكبرى: الأب، المعلم، الحاكم.. إلخ، وهو على العكس مما عليه الحال لدى المجتمع الغربي، القائم على النزعة الفردية الليبرالية التي تقدس الفرد كفرد لذاته، ولا تكترث لمسألة النقد؛ بل إن العقل الغربي هو عقل نقدي بالمقام الأول؛ لهذا تناسلت المدارس الفلسفية والفكرية منذ طاليس وانكسمندر، ثم فيثاغورس، مرورا بسقراط وأفلاطون وأرسطو، فديوجين وزينون، وحتى السارترية الحديثة؛ فعلى الرغم من القيمة الفلسفيّة لكل هؤلاء الآباء المؤسسين إلا أنهم ــ على مكانتهم ــ ظلوا محل انتقاد تلامذتهم من بعدهم، فتوالدت عن الفلسفة فلسفة جديدة، فيما توقفت عملية التوالد هذه في الصين، وأيضا في الهند، نظرًا لخصوصية العقل الشرقي.

ذاتُ الشأن في الفلسفة الإسلامية التي بلغت أوجها في الحضارة الإسلامية، ابتداء من الكندي، وانتهاء بابن رشد، أخذت الطابع الشرقي والغربي معا، بمعنى أنّ الفلسفة الإسلامية قد تلاشت حين تغلب السّلفيون على المعتزلة، والحنابلة على الحنفية، وأهل الكلام على أهل الفلسفة، وساد منطق: "ما ترك الأوائل للأواخر شيئا".! وعلى نواياهم الحسنة لم يكن حنابلة بغداد يدركون أنهم جنوا على الدين جناية كبرى حين عملوا على مطاردة المعتزلة بجميع مستوياتهم والتضييق عليهم، حتى ذابوا في التشيع بعد أن استقبلهم طوائف الفرق الشيعة، ومن هنا تعملقت الفلسفة لدى الشيعة، وازدهر المنطق، في الوقت الذي كان التفلسف والتمنطق تهمة لدى الحنابلة تفصل الرأس عن الجسد؛ مسنودين ــ حنابلة بغداد ــ بقطيعٍ واسع من العامة، المتقاربين معهم فكريا وثقافيا، فالعقل السلفي تقليدي محدود، غير نقدي، غير مفكر، يتناسب مع عامة الناس، خلاف العقل الفلسفي الذي يعتبر عقلا نخبويا، فوقيا، لا تدركه العامة أساسا. ولا تزال المشكلة قائمة إلى اليوم..!