زلة بسيطة وخطأ غير مقصود يطيح بمسؤول كبير من منصبه!!
عندما تقول لشخص ما بأنه حمار، فلا شك بأنه سينفجر غضبا في وجهك، وسيعتبرها إهانة لا تغتفر ، فقد ارتبط في أذهاننا إن الحمار حيوان غبي ، بالإضافة الى ذلك فالحمار - أكرمكم الله - موصوف بنهيقه وصوته القبيح والمزعج، ويقول سبحانه وتعالى في محكم التنزيل ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ صدق الله العظيم.
لكن الناس ينسون إن الله سبحانه وتعالى ذكر الحمار أيضا في كتابه العزيز ، وأشار إلى الخدمات العظيمة التي يقدمها هذا الحيوان الوديع ، فقال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز " وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8).
نعم الحمار يقدم لنا خدمات عظيمة وهو مسالم لا يؤذي أحد ، وله قدرة رهيبة على التحمل، وهذا الأمر يعلمه الجميع، لكن الإنسان بطبعه جحود ، فإذا كان لا يشكر خالقه سبحانه وتعالى ، وينسى النعم التي وهبها له، وهي نعم لا تعد ولا تحصى، فهل تراه سيشكر الحمار وينصفه ؟
أحد الحكام العادلين كرم هذا الحمار وأنصفه ومنحه مكانة رفيعة، حيث تم تعيينه في منصب وزير، وحتى يكون الأمر رسميا، فقد أصدر قرار بتعيين حمار ذكي وجده في الغابة ليكون بديلا عن أحد الوزراء المقربين منه ، وهذا القرار جاء بعد أن اكتشف هذا الحاكم إن الحمار أكثر ذكاء وفهما من وزيره في القصر الرئاسي.
وتقول الحكاية إن أحد الحكام في الزمن البعيد أراد الخروج للصيد في الغابة ، وأنطلق مع كل أفراد عائلته للغابة بعد ان أكد له وزيره المختص بأمور الطقس، إن الجو سيكون صحوا ومشرقا، وأنه سوف يستمتع هو واسرته بعملية الصيد ، لكن الأمور انقلبت رأسا على عقب ونزلت أمطار غزيرة حولت عملية الصيد إلى جحيم وسقطت بعض نساء الحاكم في الوحل، وهذا أثار غضب الحاكم وقرر معاقبة الوزير الذي ورطه وكذب عليه.
وخلال عودة الحاكم وأسرته من الغابة شاهد كوخ جميل في أطراف الغابة، فتوجه إليه ، وهناك وجد رجلا يجلس بهدوء، فسأله الحاكم لماذا لم يخرج للصيد أو الاحتطاب ، فرد عليه الرجل ان حماره اخبره ان الجو سيكون مخيفا ومرعبا وستكون هناك عواصف وبروق، وعليه البقاء في الكوخ، حتى يصبح الجو مشرقا ويمكنه بعدها ممارسة الصيد او الاحتطاب.
استغرب الحاكم وسأله كيف ذلك، فقال الرجل للحاكم انزحماره ليس كبقية الحمير، فهو يخبره بحالة الطقس، فإذا كانت آذانه واقفة فهذا مؤشر على نزول الأمطار والبروق والعواصف ، والجو غير مناسب للخروج للغابة ،أما اذا كانت آذانه منسدلة نحو الأرض فهذا يعني ان الجو سيكون مشرقا وصافيا.
وتقول الحكاية إن الحاكم أعجب بالحمار وصاحبه وأخذهم معه إلى القصر، وهناك اصدر قرار بعزل وزيره، وعين الحمار ليكون بديلا له، والغريب ان القرار أسعد الكثير من الناس، لأن الحمار لا يؤذي ولا ينهب ولا يفكر بأخذ ما ليس ملكه سواء كانت أرض أو مال أو عقار.
ولأنه القرار اثار ارتياح كبير لدى مختلف شرائح المجتمع، فقد ذهب كبار القوم إلى الحاكم واشادوا بقراره الحكيم وطلبوا منه أن يصدر قرار اخر ليكون كل الوزراء من الحمير، لأنهم سيسلمون من الأذى ولن يتعرض أحدهم للعنجهية والغطرسة والظلم ، فالحميرحيوانات رائعة ومسالمة وخدماتهم عظيمة وجليلة، والأهم من كل ذلك إنهم لن يقوموا بأذية أحد، لا في جسده ولا في ماله وأملاكه، وهم إلى جانب ذلك ليسوا لصوص ينهبون الأملاك، بل هم حيوانات رائعة لامثيل لها من حيث الرضا والقناعة، فيكفيهم قليل من الكلاء او الشعير لتشبع جوعهم وسطل ماء يروي عطشهم، وبعدها سيقومون على خدمة الناس طيلة النهار دون كلل أو ملل، والشيء الذي يبعث على الارتياح والسرور ان الحمير يفعلون ذلك بإخلاص ودونتأفف، لأنهم يعلمون ويدركون أن هذه هي الطريقة الوحيدة للحصول على الشعير الذي يشبع جوعهم وسطل الماء الذي يروي عطشهم.