أطوار سطوع النور وبزوغ شمس الحرية
ما كان لنور الشمس أن يتسلل لتشرق سماء اليمن بعد طول ظلام إلا بيوم خالد، سطر فيها الأبطال أقوى الملاحم البطولية للتخلص من حكم الإمامة الجائر..
إنه يوم السادس والعشرين من سبتمبر الذي لم يكن محض صدفة، أو لحظة عابرة.. بل نتاج مراحل عدة، وقتال مستميت، ودماء ارتوى منها تراب الأرض المتعطشة للحرية..
بعد أن اشتد ظلم الإمام الهالك يحيى حميد الدين، وأصبح يأكل هو وعساكره الأخضر واليابس، ولا شيء للشعب سوى الفقر والجوع والجهل، حيث لا مدرسة تعلم الأبناء ولا مستشفى يعالج المرضى، ولا صوت الحرية يعلو، وعزلة تامة عن كل نهضة وتطور..
ضاق الشعب ذرعا بهذا الظلم والاستبداد فما كان منهم إلا إعلان النفير بثورة الدستور عام ١٩٤٨ التي قتل فيها يحيى حميد الدين ببندقية البطل علي بن ناصر القردعي، بعد تحد وصمود كبيرين، وكانت الثورة على وشك النجاح، وكان النور على وشك الانبثاق.. إلا أن الظلام أبى الزوال حيث استعاد أحمد يحيى حميد عرش أبيه ليصبح أكثر قسوة وأشد ظلما منه.. فأعدم طلائع الثوار واحدا تلو الآخر..
كانت هذه هي المرحلة التمهيدية والثورة الأم للثورة الأكبر التي ستحسم الأمور وإن تأخرت..
أكثر من عشر سنوات قضاها الشعب اليمني في ظلم أكبر، تجرع فيها كل أنواع الاضطهاد، فلم يعد يملك شيئا بعد أن استولى أحمد حميد الدين على كل شيء وكشر عن أنيابه فامتلأت سجونه بالثوار ومقاصله بدماء الأحرار، لكنه غفل عن حقيقة ساطعة.. تؤكد أنه كلما اشتد ظلام الليل تجلى نور الصباح واقترب أكثر.
احتشد الثوار من كل حدب وصوب منهم من كان يناضل خارج البلاد، ومنهم من كان يعد العدة داخلها، فهذه المرة يجب أن يضربوا بيد من حديد، فلا مجال للفشل ولا مناص من الخلاص..
كتب الشعراء الأحرار قصائد الحرية، وتجمع الأحرار سرا، وكان الشعب أكثر توقا للنهضة والاستقرار، أرضعوا أبناءهم الرفض وعلموهم التمرد على الظلم والعبودية..
فاشتعلت الثورة مرة أخرى وتكاتفت الأيدي والسواعد، ولم تكن المواجهة سهلة، حتى استطاع الضباط الأحرار إسقاط الحكم الملكي في يوم السادس والعشرين من سبتمبر المجيد عام ١٩٦٢ . .
ظلت الثورات قائمة وظلت الأمور بين مد وجزر حتى سطع هذا اليوم الخالد وتنفس الشعب اليمني الحرية بعد طول عناء..
فكان يوما من الدهر لم تصنع أشعته شمس الضحى بل صنعناه بأيدينا..
تنوعت التضحيات وتلونت الأرض بدماء الشهداء لكن سماء الوطن أمطرت حرية وكرامة..
ولم تنته الثورة السبتمبربة بعد مهما حاول الإماميون الالتفاف عليها ومهما ظنوا أنهم قادرون على العودة لحكم هذا الشعب الأبي بقوة السلاح وشدة الظلم..
فرموز الثورة السبتمبربة تجري دماؤهم في دمائنا وعلم الجمهورية سيظل مرفرفا صامدا أمام كل مد ظالم أو جزر متجبر..