المشهد اليمني
الجمعة 8 نوفمبر 2024 11:55 صـ 7 جمادى أول 1446 هـ
المشهد اليمني رئيس التحريرعبد الرحمن البيل

الهاشمية.. التقديس والاحتلال الناعم للمسلمين (الحلقة الأخيرة)

44.210.149.218

اجتهاد الإمام الشافعي والصلاة الإبراهيمية

مما بات معروفاً عند كثير من الباحثين، بل والعلماء المتأخرين، أن الإمام الشافعي هو أول من أوجب الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم- في التشهد الآخر من الصلاة، وفي صلاة الجنازة، وإليه ينسب الفعل والرأي، وما يتعلق بتلك الصلاة من ملحقات (الآل) والتي باتت تعرف بالصلاة الإبراهيمية.

وكان ممن وثق هذه القناعة بعض أتباعه كأبي الطيب الطبري، والطحاوي وآخرين، وادعوا أنه لم يسبق إلى ذلك [قبل الشافعي]، واستدلوا على ندبيتها [الصلاة على النبي في التشهد] بحديث (الباب) [أعلاه]، مع دعوى الإجماع، لكن هناك رأي آخر يقول إن ذلك الإيجاب والفعل ورد قبل الشافعي عن أبي جعفر الباقر والشعبي وغيرهما، ما يدل على القول بالوجوب.

وأعجب من ذلك أنه صح عن ابن مسعود ما يقتضيه، كما قال ابن حجر العسقلاني.

صحيح أن بعض صيغ الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم- بتلك الصيغة التي باتت تعرف بالصلاة الإبراهيمية وردت في كتب أمهات الحديث عند البخاري ومسلم وغيرهما، لكنها لم تحدد مواضع تلك الصلاة في التشهد ولا في صلاة الجنازة، وإن كانت بعض الروايات تزيد في ألفاظها (في الصلاة) أو (في صلاتنا)، وقد بينا اضطرابها واختلافها من رواية إلى أخرى، ومن راوٍ إلى آخر.

إعتمد الإمام الشافعي، في إيجابه الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم-، في مواضع التشهد والجنازة إلى دليلين؛ هما الآية (56) في سورة الأحزاب قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}، وكذلك روايتين أخريين في الحديث، رغم المآخذ عليهما، وهما رواية أبي هريرة، التي تذكر الصلاة على النبي في التشهد، وقد ضعفها رجال الحديث، ورواية كعب بن عجرة التي ترد مرة مزيدة (في الصلاة) ومرة مجردة غير محددة.

قال الشافعي: "فرض الله –عز وجل- الصلاة على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} الأحزاب56

قال الشافعي - رحمة الله عليه: فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في الصلاة، ووجدنا الدلالة عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بما وصفت من أن الصلاة على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فرض في الصلاة، والله تعالى أعلم".

قال الربيع: "أخبرنا الشافعي –رضي الله عنه- قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني صفوان بن سليم، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة: أنه قال: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ يعني في الصلاة. قال: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم، ثم تسلمون عليّ".

في هذا الحديث مآخذ مختلفة، منها:

- أن الحديث لم يرد عن أبي هريرة وإنما عن كعب بن عجرة وأبي مسعود الأنصاري وأبي سعيد الخدري/البدري فقط، كما هو المشهور في كتب الحديث.

- كما نجد أن لفظ (آل محمد) حشر حشراً في هذه الصيغة لم تذكر آل إبراهيم عطفاً على ذكر آل محمد، كما في بعض الصيغ الأخرى التي فيها الكثير من المآخذ، وآل إبراهيم أولى بالصلاة عليهم من (آل محمد) كونهم أنبياء ورسلاً ومؤمنين وصالحين.

- وقد حشر اللفظ (يعني في الصلاة) حشراً في السؤال؛ وإلا فإن معظم صيغ هذا الحديث كان تساؤلاً عاماً ومفتوحاً فقط عن كيفية الصلاة على النبي وحده، ولم يحدد السائلون أي موضع أو تقييد لهذ السؤال والصلاة.

- صيغ التشهد المعروفة عن كل الصحابة الذين رووا التشهد لم يرووا أي إلحاق له بالصلاة على النبي، فضلاً عن الصلاة على الآل.

- حتى من يراجع أقوال الشافعي، في كل كتبه التي ذكرها، إنما كان يحصرها أيضاً على الصلاة على النبي وحده، دون إلحاق الآل، إلا ما اعتسف اعتسافاً من كلامه أو تم تجيير هذه الصلاة. ولكنه أيضاً يورد أحاديث فيها زيادة عن كيفية الصلاة على النبي في الصلاة فيها زيادة آل محمد، مع ما يوجبه من الصلاة على النبي في التشهد، وتلحق تلك الصلاة بالآل، كما في الأحاديث التي استشهد بها، ومن هنا فُهم أنه يوجب الصلاة الإبراهيمية في التشهد والجنازة.

- حث النبي –صلى الله عليه وسلم- أمته على الصلاة عليه في مواضع كثيرة، كما سنفصلها لاحقاً، لم يلحق في توجيهاته أي عطف لآله في الصلاة عليه.

وروى الشافعي في مسنده (بدائع المنن) حديثاً لأبي هريرة نفس الحديث في كتابه الأم مع قليل من الاختلاف في نهايته، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد أخبرنا صفوان بن سليم عن أبي سلمة عن عبدالرحمن (يقصد ابن أبي ليلى) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: يا رسول الله: كيف نصلي عليك؟ يعني في الصلاة ، فقال: تقولون: اللهم صل على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم، ثم تسلمون".

وفي صيغة أخرى، أورد الشافعي، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد، حدثني سعد بن إسحاق، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، (عن كعب بن عجرة) -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول في الصلاة: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد".

ولم يورد البخاري ولا مسلم ولا أحمد ولا النسائي هذه الصيغة، كما هي عند الشافعي؛ فقد وردت عندهم الصيغة بدون عبارة (كان يقول في الصلاة)، رغم أن الراوي ابن أبي ليلى والمروي عنه الصحابي كعب بن عجرة.

بل إن أحمد والبخاري ومسلم وأبا حاتم والنسائي والترمذي رووا الحديث عن كعب بن عجرة كالتالي:

قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت ابن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا –أو: عرفنا- كيف السلام عليك، فكيف الصلاة؟ قال: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على [آل] إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد".

قال البخاري: حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد، حدثنا أبي، عن مسعر، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قال: قيل: يارسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة؟ فقال: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، [كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. الله بارك على محمد وعلى آل محمد] كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد".

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا هشيم بن بشير، عن يزيد بن أبي زياد، حدثنا عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قال: لما نزلت: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} ، قال: قلنا: يارسول الله، قد علمنا السلام، فكيف الصلاة عليك؟ قال: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. إنك حميد مجيد".

وكان عبدالرحمن بن أبي ليلى يقول: وعلينا معهم. ورواه الترمذي بهذه الزيادة.

وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم في مستدركه، من حديث محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن محمد بن عبدالله بن زيد بن عبد ربه، عن أبي مسعود البدري، أنهم قالوا: يارسول الله، أما السلام فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا؟ فقال: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد..." وذكره.

قال ابن كثير: ورواه الشافعي -رحمه الله- في مسنده عن أبي هريرة، بمثله، ومن هاهنا ذهب الشافعي -رحمه الله- إلى أنه يجب على المصلي أن يصلي على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأخير، فإن تركه لم تصح صلاته. وقد شرع بعض المتأخرين من المالكية وغيرهم يشنع على الإمام الشافعي في اشتراطه ذلك في الصلاة، ويزعم أنه تفرد بذلك، وحكى الإجماع على خلافه أبو جعفر الطبري، والطحاوي، والخطابي، وغيرهم، فيما نقله القاضي عياض".

قال الشافعي (رضي الله عنه): فعلى كل مسلم وجبت عليه الفرائض، أن يتعلم التشهد والصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم- ومن صلى صلاة لم يتشهد فيها ويصلي على النبي –صلى الله عليه وسلم-، وهو يحسن التشهد، فعليه إعادتها، وإن تشهد ولم يصل على النبي –صلى الله عليه وسلم- أو صلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يتشهد، فعليه الإعادة، حتى يجمعهما جميعاً. وإن كان لا يحسنهما على وجههما، أتى بما أحسن منهما، ولم يجزه إلى بأن يأتي باسم تشهد وصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم-. وإذا أحسنهما، فأغفلهما، أو عمد تركهما، فسواء، وعليه الإعادة فيهما جميعاً.

فصّل ابن كثير في قضية الصلاة في التشهد، وأيد الشافعي فيما ذهب إليه من وجوب الصلاة على النبي في التشهد الأخير.

قال ابن كثير: "روينا وجوب ذلك والأمر بالصلاة على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في الصلاة، كما هو ظاهر الآية، ومفسر بهذا الحديث عن جماعة من الصحابة؛ منهم ابن مسعود، وأبو مسعود البدري، وجابر بن عبدالله، ومن التابعين: الشعبي، وأبو جعفر الباقر، ومقاتل بن حيان، وإليه ذهب الشافعي، لا خلاف عنه في ذلك ولا بين أصحابه أيضاً، وإليه ذهب [الإمام] أحمد أخيراً فيما حكاه عنه أبو زرعة الدمشقي، به. وبه قال إسحاق بن راهويه، والفقيه الإمام محمد بن إبراهيم المعروف بابن المواز المالكي -رحمهم الله- حتى إن بعض أئمة الحنابلة أوجب الصلاة على الآل؛ ممن حكاه البندنيجي، وسُليم الرازي، وصاحبه نصر بن إبراهيم المقدسي، ونقله إمام الحرمين وصاحبه الغزالي قولاً عن الشافعي. والصحيح أنه وجه، على أن الجمهور على خلافه، وحكوا الإجماع على خلافه، وللقول بوجوبه ظواهر الحديث، والله أعلم".

غير أن النقل عن الشافعي هو في عموم الصلاة على النبي، عملاً بظاهر الآية (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)، لكن الخلاف القائم هو على إلحاق (الآل) بهذه الصلاة في التشهد، كما حكاه الشافعي، في معظم آرائه، وحكى ابن كثير "أن لا إجماع على خلافه"، ثم جاء من بعده تلميذه الإمام أحمد وذهب مذهب الشافعي في ذلك، حتى إن بعض الحنابلة أوجبوا الصلاة على (الآل)!

ثم أورد ابن كثير رأيه تعقيباً آخر على رأي الشافعي، أن لا إجماع على خلاف الشافعي في وجوب الصلاة على النبي في الصلاة لا قديماً ولا حديثاً، فقال: "والغرض أن الشافعي -رحمه الله- لقوله بوجوب الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم- في الصلاة –سلف وخلف كما تقدم، لله الحمد والمنة، فلا إجماع على خلافه في هذه المسألة لا قديماً ولا حديثا، والله أعلم".

وهذا أمر عجاب؛ فقد رأينا آراء خلافية على الشافعي، كما في مقدمة هذا الرأي لابن كثير، وهو يرد على بعض علماء المالكية وغيرهم، كما أسلف، فقال: "وقد شرع بعض المتأخرين من المالكية وغيرهم يشنع على الإمام الشافعي في اشتراطه ذلك في الصلاة، ويزعم أنه تفرد بذلك [الشافعي]، وحكى الإجماع على خلافه أبو جعفر الطبري والطحاوي والخطابي، وغيرهم، فيما نقله القاضي عياض.." ؛ أي: يوجد خلاف على الشافعي عن أنه لا إجماع على وجوب الصلاة على النبي في التشهد، وممن حكاه من المتأخرين أيضاً ابن عثيمين، فقال: "الصَّلاةَ على النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- سُنَّة، وليست بواجب ولا رُكن، وهو روايةٌ عن الإمام أحْمد، وأنَّ الإنسان لو تعمَّد تَرْكها فصلاتُه صحيحة لأنَّ الأدلَّة التي استدلَّ بها الموجبون، أو الذين جعلوها رُكنًا ليستْ ظاهرةً على ما ذهبوا إليه، والأصل براءة الذِّمة. وهذا القول أرجحُ الأقوال إذا لم يكُن سوى هذا الدليلِ الذي استدلَّ به الفقهاء -رحمهم الله- فإنه لا يمكن أن نُبطلَ العبادةَ ونُفسدها بدليل يحتمل أن يكون المرادُ به الإيجابَ، أو الإرشاد".

وقد ذكر ابن حجر العسقلاني أن أبا الطيب الطبري، من أتباعه، والطحاوي وآخرون، ادعوا أنه لم يسبق إلى ذلك [قبل الشافعي]، واستدلوا على ندبيتها [الصلاة على النبي في التشهد] بحديث (الباب) [أعلاه]، مع دعوى الإجماع، وفيه نظر؛ لأنه ورد عن أبي جعفر الباقر والشعبي وغيرهما ما يدل على القول بالوجوب. وأعجب من ذلك أنه صح عن ابن مسعود ما يقتضيه. فعند سعيد بن منصور وابي بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح إلى أبي الأحوص قال: قال عبد الله [بن مسعود]: يتشهد الرجل في الصلاة، ثم يصلي على النبي –صلى الله عليه وسلم- ثم يدعو لنفسه بعد.

وقد وافق الشافعيَّ أحمدُ في إحدى الروايتين عنه وبعض أصحاب مالك، وقال إسحاق بن راهويه أيضاً بالوجوب، لكن قال: إن تركها ناسياً رجوت أن يجزئه. فقيل إن له في المسألة قولين كأحمد، وقيل بل كان يراها واجبة لا شرطاً. ومنهم من قيد تفرد الشافعي بكونه عينها بعد التشهد لا قبله، ولا فيه حتى لو صلى على النبي –صلى الله عليه وسلم- في أثناء التشهد مثلاً لم يجزئ عنده".

وذهب بعض محدثي الشافعية؛ كابن المنذر، إلى اختيار تشهد ابن مسعود [خلافاً للإمام الشافعي الذي اختار تشهد ابن عباس]، وذهب بعضهم؛ كابن خزيمة، إلى عدم الترجيح.