المشهد اليمني
السبت 27 يوليو 2024 04:37 صـ 21 محرّم 1446 هـ
المشهد اليمني رئيس التحريرعبد الرحمن البيل
”صوت الجماهير يُسمع: صافرات استهجان تلاحق إسرائيل في حفل افتتاح الأولمبياد” صراع قبلي يكاد يمزق نسيج المجتمع في قعطبة.. ثم يأتي الصلح ليلئم الجراح ”أنتم الآن أقرب إلى حرب عالمية ثالثة”.. ”ترامب” يحذر ”نتنياهو” مما سيحدث في الشرق الأوسط إذا خسر في انتخابات الرئاسة الأمريكية ”صوروا كلامي هذا وارسلوه للحوثي، لسنا خائفين منك”... قبيلة أرحب تتحدى الحوثيين (فيديو) ”مقترح غير متوقع: عفو مقابل بناء مستشفى لروح الطفلة حنين البكري” ”ميليشيا الحوثي تثير الفتنة: لافتة طائفية تهدد النسيج الاجتماعي في اليمن” تطور خطير.. الكشف عن رحلة سرية لإحدى طائرات اليمنية من مطار صنعاء إلى العاصمة ”اللبنانية” بيروت ”أين التراث اليمني؟ صحفي رياضي يفجر قضية الزي في حفل افتتاح أولمبياد باريس” ”اختطاف الجندي المدافع عن عدن: رحلة البحث المؤلمة في سجون عدن السرية” سوق السلاح في عدن.. ظاهرة مستمرة تتحدى القرارات وتثير المخاوف قوات الانتقالي الجنوبي تصدر تصريح هام وتتحدث بشأن قضية علي عشال شخصية جنوبية شهيرة تصل صنعاء...وقيادات حوثية ترحب

إلى سلطان عمان.. ”خنجرُ ابنِ العمِّ لابنِ العمِّ أذبح”!

السلطان هيثم بن طارق: لم أكتب إليكم رسالتي هذه إلا بعد مرور ثلاثة أيام، وبعد التأكد من المصادر الرسمية تجاه الجناية اللاإنسانية الكبرى التي اقترفتموها بحق سبعةِ عُزّل، فراشهم الأرض، ولحافهم السماء. ثلاثة أيام كانت كافية لأن تقولوا للإنسانية: أخطأنا وسنصلح الخطأ.
جلالة السلطان.. كما أن ثمة مسؤولية رسمية للدول تجاه جيرانها، ثمة مسؤولية أخلاقية أيضا. وكما هناك أخلاق الفرد، هناك أيضا أخلاق الجماعة.. وفي هذه المأساة غابت أخلاق الفرد وأخلاق الجماعة. ووحده التوحش الذي حضر.
نعرف أنه من حقكم أن تحموا حدودكم؛ لكن ليس من حقكم أن ترتكبوا الجنايات الكبرى، وتخترقوا النواميس الإنسانية، بتعذيب الأسرى وضربهم والتشنيع بهم، وتشويه ملامحهم، وإن كانوا مخالفين، كان سجنهم، أو ترحيلهم كافيا، كما تفعل كل دول العالم.
إنّ هؤلاء المتسللين هم أناسٌ من لحم ودم، بمشاعرهم الإنسانية، جار عليهم الزمن، وأنسدّ أمامهم الأفق، وأظلمت في وجوههم الليالي، ليسوا مجرمين، فقط باحثين عن لقمة عيشٍ كريمة، حدسوا في بني عمومتهم العمانيين خيرا، ولكنهم وجدوا وحشية تغلغلت في النفوس قبل أن تعبر عن نفسها في الواقع. ووالله إن ما حصل ليس من فعل العربي الحر؛ لأن الحر تأبى نفسه الكريمة أن يُهان أمامه أحد، ناهيك عن أن يهينه بنفسه.
ما حصل ينبئ عن سلوك من لؤم الفرس، ووحشية السيخ، وهمجية القوط، وعنجهية المغول.
العربيُّ كريمٌ وشهمٌ وشجاعٌ، ومن يعذب إنسانا بهذه الطريقة الوحشية لا يحمل مثقال ذرة من هذه القيم.
مشهد لا مثيل له إلا في أفلام الرعب؛ كأنهم خرجوا من وادي السباع المستذئبة. يا لفجاجة وجنون التوحش! كلما حاولت أن أغمض عيني وأتناسى هذا الرعب فرض نفسه عليّ بقوة.
جلالة السلطان.. أنتم ــ والله ــ لم تدموا سبعة ظهور فقط، بتصرفكم هذا، أنتم أدميتم قلب الإنسانية في كل مكان. أنتم جرحتم مشاعر 40 مليون يمني. أنتم أسأتم للإنسانية والعروبة وللسياسة نفسها.
إنّ تلك الجراحات الدامية التي على ظهور هذه الأجساد النحيلة ستظلُّ ــ والله ــ خدوشًا في وجوهكم أبدَ الدهر، ستظل عارًا إنسانيًا يلاحقُكم ولو حاولتم أن تغسلوه بماء المحيط والخليج.
غَبَرَت أمم، وهلكت حضارات، وزالت امبراطوريات بكل ما تملك، وبقيت أخبارُها في بطونِ الكتب شاهدة عليها، فما ذا أنتم قائلون للتاريخ بعد هذه الوحشية الدامية؟!
في الواقع قد تندمل هذه الجروح، وقد تتشافى تلك الأجساد المنهكة؛ لكن جروح القلب باقية، جروح الروح خالدة مدى الزمن.
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على المرء من وقع الحسام المهند
لا يجد عاقلٌ مبررًا لكتيبة عسكرية بأسلحتها وآلياتها تنهشُ في جسد سبعة أفرادٍ منهكين من السفر والجوع، كما ينهشُ السبع الضاري في فريسته! أتخيل المشهد فيقشعر جسدي من هول هذا الرعب. أهؤلاء زبانية جهنم؟! يا لبشاعة النفس الإنسانية حين تخرج أسوأ ما فيها وكلها سوء..!
يكفي ترحيلهم إلى أقرب نقطة حدودية، وكفى!
لقد صدق البردوني حقا، حين قال:
"خنجرُ ابنِ العم لابن العم أذبح".!
يُقال: تتفاخرُ الأمم بقوتها، فإذا ما ارتقت أكثر تفاخرت بعلومها، فإذا ما ارتقت أكثر فأكثر تفاخرت بأخلاقها. فبماذا أنتم فاخرون بعد هذه الجناية الكبرى؟!
الأيامُ دول، وفقرُ اليمن لن يدوم، كما أن غنى العمانيين لن يستمر أيضا. وقد يأتي زمان يهاجر فيه العمانيون إلى اليمن باحثين عما يسد رمقهم. حصل هذا كثيرا في كل تاريخ الإمبراطوريات التي حكمت العالم من قبل..! هذا ما لا نتمناه لكم؛ لكنه ليس ببعيد، ولا تأمنوا مكر الزمن. "فمن سره زمنٌ ساءته أزمان".!
منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي نزح آلاف الصوماليين والإرتيريين والأثيوبيين المجهولين إلى اليمن عقب نشوب الحروب هناك، وعاشوا بين مع اليمنيين كاليمنيين أنفسهم، في المدن والأرياف، ولم يجرؤ أي متطفل على الإساءة إليهم قط، فأي يمني له بالمرصاد، وبالنيل منه، ورد الصاع صاعين. وتبعهم آلاف الفلسطينيين والعراقيين ثم السوريين حتى كانت الكارثة في العام 2014م.
وفي المملكة العربية السعودية يعيشُ آلاف اليمنيين المجهولين منذ عقود، وكأنهم بين أهلهم، كما يعبر الحدود المئات منهم بصورة يومية، وإذا تم القبض على بعضهم فيتم التعامل معهم بكل احترام. آلاف اليمنيين مجهولو الهوية، لا تتم ملاحقة إلا من أساء منهم فقط. أدام الله ملوك العرب الكبار آل سعود.
ثمة أخلاق وقوانين للحروب، تمنع تعذيب الأسرى نفسيا أو جسديا، وقد حملوا السلاح واعتدوا وقتلوا وبغوا، ومع هذا فلهم حقوقهم الإنسانية إذا ما أصبحوا أسرى، ولا يحق لمن أسرهم الإساءة إليهم، فلماذا التوحش تجاه سبعة أفراد متهالكين صحيا ونفسيا، يحملون أجسادهم النحيلة على أرجلهم التي لا تكاد تقوى على حملها، لم يجترحوا شيئا مما اجترحه رجل الحرب، فقط يبحثون عما يسد رمقهم؟!
أخيرًا.. لا أخير للوجع..!