من يستعد للسلام في اليمن؟
"تواتسوا" و"يتواتسون" الأنباء عن مشروع اتفاق تسوية اليمننة أو الأزمة اليمنية التي تسلّمها، من جانب المملكة العربية السعودية مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ الذي يُحسب له نجاحه في تحقيق الهدنة الممدّدة من السنة الماضية حتى الآن، وقيل إنّه وضع على مسودة الاتفاق لمسات أممية بعد زيارة سلطنة عمان، قبل تسليمها إلى مجلس القيادة الرئاسي للجمهورية اليمنية.
غير معروف ما إذا قد اطلع على المشروع مباشرة رؤساء بقية المؤسسات اليمنية أو أنّهم علموا عن تفاصيلها عبر الأخبار و"المواتسات" فقط.
عناصر يمنية كثيرة تغيب عن كواليس ما يدور في سبيل تحقيق السلام لليمن. لأنّ الكواليس ضيّقة... طبعاً. ومن الطبيعي في الظروف غير الطبيعية التي تفرض إدارة مسائل معينة في أضيق الحدود، أن يختص بإعدادها خاصة القوم، لتخرج ناضجةً لعامة القوم. بيد أنّ اللافت هو غياب مؤسسات الدولة أو بعض ممثليهم... عن تحضيرها... ربما.
بما فيهم البرلمان الذي يمثل عامة اليمنيين لأنّ أعضاءه ورئاسته منتخبان من الشعب. ومدّدت الظروف القاهرة عمر المجلس الموقر حتى بلغ عشرين عاماً، متجاوزاً عمر البرلمان اللبناني أثناء الحرب الأهلية.
يفترض أنّ البرلمانيين اليمنيين -وحتى الشورويين، أعضاء مجلس الشورى وأعضاء هيئة التشاور والمصالحة الوطنية كذلك- سواء في الداخل أم الخارج، يفترض أنّهم قادرون على استنباط ما يحدث، طالما لم يشاركوا حدوثه، وأن يتخلّوا عن دور المتلقّي ويبدأوا رسم مهامهم المستقبلية في ظلّ الأوضاع الآتية... غير القاتمة إن شاء الله. فلا يكتفى بالتقاط أخبار ورحلات خاصة، أو إصدار بيانات إعلامية، أو توجيه رسائل قصيرة ومذكرات إسقاط واجب، أو لقاء تشاوري يتيم لأعضاء البرلمان على تطبيق "الزووم" الذي كان يُرفَض استخدامه لأسباب لها قوتها وفجأة زالت قوة هذه الأسباب بتأثير خلاف بين "تجار ودستوريين".
عُقد ذلك اللقاء التشاوري اليتيم يوم العاشر من أيلول (سبتمبر) 2023 عقب مؤتمر صحافي لرئيس الوزراء (الذي عمل مقرّراً للجنة صياغة الدستور من قبل) إثر هجمة إعلامية مكثفة ملأت "المواتسات" آخر الصيف الفائت، واختلطت فيها مصالح عامة وخاصة، قادها رجل أعمال وتاجر معروف يعمل قيادياً في الدولة أيضاً. تلك الحمى الصيفية بعثت شيئاً مهمّاً... قطعاً ليس أملاً في تصحيح وضع خاطئ أو تنفيذ إصلاح غير ممكن حالياً على الأقل. لكنها أحيت ذكر ما غفل عنه وتغافل كثير من المأخوذين باللحظة العابرة... أو اللحظة ثقيلة العبور.
لقد ذكّرونا بالدستور... الدستور النص المهجور... لقد أحيوه وأيقظوا الشعور بأهميته. لكن؛ سرعان ما عاد إلى غفوته، وانطفأ حماس الجميع:
نفور وتطفئنا "نفخةٌ"... فنمتص إطفاءنا في خشوع.
إنّها الحرب وظروفها... من أطفأت همماً وأشعلت أخرى.
إنّها الحرب من بداياتها إلى بدايات نهاياتها ونهاية بداياتها من فعلت ذلك.
لولا الحرب، ما أهملوا الدستور وتجاوزوه بإجراءات لا دستورية.
لولا الحرب ما أتجر بالدستور تاجر وأهمله دستوري.
لولا الحرب ما انتحرت فعالية البرلمان وبقية المؤسسات هكذا وارتهنت لفصيل هنا وكتل هناك.
لولا الحرب ما تجمّدت المؤسسات وعاثت الميليشيات.
لولا الحرب ما انقسم البلد. وترسّخت العلّة اليمنية أو اليمننة.
لولا الحرب ما تضاعفت معاناة الناس، وماتت آمالهم وأحلامهم.
لولا الحرب ما اهتز اقتصاد، وانهارت عملة.
لولا الحرب ما فُرضت جباية وغابت رقابة.
لولا الحرب ما شهدنا الفوضى الخناقة.
لولا الحرب ما عرفنا الزووم وتواتسنا وفسبكنا وغرّدنا.
لولا الحرب ما عرفنا مخازي عقول أهل التواصل الاجتماعي والتقاطع السياسي.
لولا الحرب ما حن أحدٌ إلى الماضي لما ساء الحاضر وضاع معنى المستقبل.
لولا الحرب ما تشرّدنا وتشتتنا.
لولا الحرب ما سمعنا بمن سمعنا ورأينا ما رأينا.
ولولا الحرب ما فعلوا هذا وكتبنا هذا وقلنا هذا وفكرنا فيه.
أرأيتم الحرب وقد بعثتموها ذميمة.. وما أفرزت من علات وعينات.
ألن تكون للسلام عينات مضادة لما خلقته الحرب؟
ماذا سيفعل السلام. وماذا ينبغي لنا أن نفعل للسلام؟
أليس من سبل السلام أن تكون المؤسسات ومن فيها قادرين على تفعيل أنفسهم استعداداً لمهام السلام من دون تخوف على مواقعهم، وتصرّف بوحي بعض رعاتهم.
نرجو ألاّ نكون ممن يكلّف الأيام ضدّ طباعها ويتطلّب في الماء جذوة نارِ. إذ نأمل من الأنام خير قيام لإطفاء كل نار.
الوقت متسع لمبادرة المعنيين من برلمانيين وشورويين وأعضاء هيئة تشاور ومصالحة، في كل اليمن، بما يتناسب ومكانتهم الدستورية والسياسية، بفاعلية وطنية وواقعية واعية أن يصنعوا كواليسهم الخاصة ليكونوا شركاء فاعلين في إنهاء الحرب ومعالجة اليمننة، بأن يهبّوا إلى تقديم عينة طيبة لما يمكن فعله لهذا السلام. ولكي يبقوا أثناء بناء السلام، إن استطاعوا، وإن أرادوا الإسهام فيه.
ألا فليمض كل نساء ورجال اليمن، من شباب وشيوخ، في تيسير وإنجاح كل المساعي الحميدة، لينعم كل أبناء اليمن بمحاسن السلام لليمن.
* نقلا عن "النهار العربي"