اليمن: جماعة الحوثي والمجلس الانتقالي مراحل وإمكانات التحول
خاضت جماعة الحوثي «أنصار الله» أول مواجهة عسكرية مع الحكومة في 2004 انتهت بمقتل مؤسسها، حسين الحوثي. ولكن عادت جولات الصراع لخمس فترات متقطعة بين عامي 2004-2010 تخللها العديد من الاتفاقيات أبرزها: صلح صعدة 2006 واتفاقية الدوحة 2008 واتفاق إنهاء الحرب 2010. وعلى الرغم من عقد تلك الاتفاقيات إلا أنّها كانت تنتهي لصالح ترتيب جماعة الحوثي لأوراقها ومن ثم العودة إلى الحرب مجددا. وأظهرت تلك الصراعات أنّ الجماعة الحوثية لم تكن ترغب في الشراكة السياسية بقدر ما يهمها إسقاط النظام الجمهوري حينها لأنّه لا شرعية له من وجهة نظرها، ويجب أن يكون الحكم لآل البيت- الذي تمثله أسرة الحوثي.
بعد 2011 تغيّرت المعادلة لصالح جماعة الحوثي حيث أسقطت المناطق القبلية الواحدة تلو الأخرى. وعلى الرغم من عقد الجماعة لعدة اتفاقيات مع قبائل حجور، والجوف، وحاشد، والسلفيين في دماج بين عامي 2011-2014؛ إلا أنّها كانت تنتهي بالسيطرة على القبائل نتيجة لسيطرتها على ألوية الدولة العسكرية في صعدة ما جعل موازين القوة تميل لصالحها مقابل قبائل بدائية. ولم تكتف الجماعة بالسيطرة على القبائل بل كلما سيطرت على قبيلة قامت بتدمير بعض منازل رموزها بهدف تخويف القبائل الأخرى. وبعد السيطرة على القبائل، بدأت الجماعة بتطويق صنعاء عسكريًا وأيضًا شاركت في مؤتمر الحوار الوطني 2013-2014. وفي 21 أيلول/سبتمبر 2014 أسقطت العاصمة صنعاء بالقوة ما مكنها من الاستيلاء على سلاح الدولة، ووضعها في موقع الطرف الأقوى في المعادلة العسكرية، وكان ذلك بمساعدة من الراحل صالح. وعلى الرغم من قبول القوى السياسية باتفاق السلم والشراكة 2014 الذي وُقع تحت سلاح جماعة الحوثي إلا أنّه لم يحقق السلام بل كان مقدمة لدخول البلد في نفق مظلم. وساهمت الصراعات القبلية والخلافات بين الرئيس الراحل صالح من جهة وقوى المعارضة، والجنرال علي محسن الأحمر وأسرة الشيخ الأحمر من جهة أخرى، وكذلك التدخلات الإقليمية في صعود جماعة الحوثي.
جعجعة بدون طحن
بعد إنطلاق عاصفة الحزم في اذار/مارس 2015 بقيادة السعودية لدعم الشرعية اليمنية ضد جماعة الحوثي ظل الحوار مستمرا لإنهاء الصراع؛ فدخلت الجماعة الحوثية في حوارات مباشرة وغير مباشرة مع الحكومة اليمنية منها: حوار مسقط وجنيف 2015 وحوار الكويت وظهران الجنوب 2016، ناهيك عن المبادرات التي طُرحت لإنهاء الحرب، منها مبادرة كيري، وزير الخارجية الأمريكي 2016 ورؤية ماتيس، وزير الدفاع الأمريكي 2018 وصولا إلى اتفاق ستوكهولم 2018 والإعلان المشترك للأمم المتحدة 2020 والذي تضمن «وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، وفريق مراقبة وقف إطلاق النار بقيادة الأمم المتحدة، وترتيب تقاسم الموارد، واستئناف مفاوضات السلام». بالإضافة إلى مبادرة السعودية للسلام في اليمن 2021 ولكن كل تلك الاتفاقات والمبادرات باءت بالفشل وقادت إلى المزيد من تمكين الجماعة الحوثية.
وساطة سلطنة عُمان لم تنجح بعد
لم تكن عُمان عضوا في التحالف العربي ما أتاح لها القيام بدور الوساطة، وعلى الرغم من زيارات الوفد العُماني لصنعاء عدة مرات إلا أنّه لم يستطع إحداث أي اختراق حقيقي بما يؤدي لإنهاء الحرب على الرغم من نجاحه في تحقيق بعض الجوانب الإنسانية، وهذا يعود لسببين: الأول، أن السلطنة لا تمتلك أوراق ضغط على جماعة الحوثي ما جعل وساطتها تشبه وساطة الأمم المتحدة. والثاني، محاولتها الوقوف على مسافة واحدة من الأطراف اليمنية والإقليمية المنخرطة في الصراع اليمني، ممثلة بإيران والسعودية جعلها تقدم بعض المقترحات النظرية التي لم يتم الكشف حتى عن محتواها بعد، عدا تلك المقترحات التي تقدمت بها في 2015 ولم تلق ترحيبا من الحوثيين.
وفي الحقيقة أنّ المبادرات والاتفاقات السابقة لم تتطرق لجوهر الصراع المتمثل في تصادم مشروعين مختلفين جذريا في الشكل والمضمون: الأول مشروع جماعة الحوثي القائم على اختزال السلطة في آل البيت، حيث تحاول الجماعة إعادة تشكيل خريطة البلد السياسية على أسس مذهبية، بطريقة أدق تريد دولة مذهبية في شمال البلاد، ولا يهمها في الوقت الراهن انفصال الجنوب، بينما مشروع القوى السياسية يقوم على التعددية السياسية والشراكة في إطار النظام الجمهوري. ولذلك، فإن استمرار الحوارات وطرح المبادرات للوصول إلى حل سياسي مع الحوثيين ما يزال معقدا في ظل المعطيات الراهنة، فلا توجد أدوات ضغط تجبر جماعة الحوثي على القبول بالسلام، كما أن استمرار الخلافات السياسية بين القوى المناهضة للحوثي، وتمسك الانتقالي المدعوم من الإمارات بمشروع الانفصال، ووجود التدخلات الإقليمية أدى إلى إضعاف الدولة. وفي المقابل، استفادت الجماعة الحوثي من حالة اللاحرب واللاسلم خلال الفترة الماضية من ترتيب أوراقها العسكرية. وبعد أكثر من ثمان سنوات من الصراع دون حسم الموقف لا بالحرب أو بالحوار؛ فإن جماعة الحوثي حاليًا ترى أنّه هناك فرصة أمامها لانتزاع الشرعية السياسية مستغلة الرغبة السعودية للخروج من المستنقع اليمني، وفي نفس الوقت تهدد بالعودة إلى العمل العسكري.
كما أنّ ارتباط جماعة الحوثي بالمشروع الإيراني القائم على التمدد في المنطقة ساعدها في الحصول على السلاح الثقيل من إيران ما جعلها في موقع استطاعت من خلاله رفض كل المبادرات لأنّها تستند إلى حليف أيديولوجي قوي بعكس القوى المناهضة لها. أيضًا، ترى إيران في الحوثي ذراعا عسكريا مهما مثله مثل فيلق بدر والحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان، وهذا يمكنها من امتلاك أوراق ضغط قوية أمام الغرب فيما يخص برنامجها النووي. وتسعى إيران لإلحاق اليمن بمحورها الإقليمي واستخدامه كقاعدة لنشر نفوذها في القرن الأفريقي والضغط على السعودية لتقديم تنازلات جوهرية. ولهذا، لا ترغب إيران في أي تسوية سياسية ما لم تكن في صالح حليفها الحوثي.
شراكة وحرب
وفي جنوب البلاد برز المجلس الانتقالي خلال فترة الحرب مع الحوثيين في عام 2017 بدعم إماراتي. وأنشأ مكوناته العسكرية والسياسية، وهي عبارة عن خليط من القوى السلفية والقبلية واليسارية والقوى الحزبية الأخرى. ويسعى الانتقالي لتوحيد هذه القوى لتحقيق الانفصال. ويحاول خلق عدو في مخيلة أبناء جنوب اليمن، وهذا العدو هو الشمال اليمني. وخاض الانتقالي بعض المواجهات العسكرية مع القوات الحكومية في عدن وأبين وشبوة وكانت تنتهي لصالحه نتيجة لتدخل الإمارات بسلاح الجو كما حصل على مشارف عدن من خلال ضرب القوات الحكومية عام 2019. وعُقدت بعض الاتفاقيات بين الانتقالي والحكومة منها اتفاق الرياض 2019- الذي نص على إشراك الانتقالي في الحكومة، وتم تنقيحه مرة أخرى، ومع ذلك تم تطبيق الجوانب السياسية دون الجوانب العسكرية والأمنية مما أدى إلى فشل الاتفاق.
وفي نيسان/أبريل 2022 تم نقل السلطة إلى مجلس رئاسي مكون من ثمانية أعضاء ومنهم ثلاثة من المجلس الانتقالي على رأسهم رئيس الانتقالي عيدروس الزبيدي. إلا أن الانتقالي يحاول استخدام الشرعية السياسية للتمدد عسكريا، ويرفض تطبيق أي جوانب عسكرية وأمنية تمس بمكونه الأمني والعسكري. أيضًا، لا يعارض الانتقالي سقوط شمال اليمن بيد الحوثي لأنّه يرى في ذلك مصلحة له. وقد صرّح بذلك رئيس مجلسه مؤخرا لشتهام هاوس: «بأن الحوثي أمر واقع ويمكن الحوار معه». وأكدها قبل فترة مع قناة «بي بي سي» تقريبًا بأن مجلسه مستعد للجلوس مع الحوثي. وفي هذا السياق، فالاتفاقيات التي وُقعت مع الانتقالي لا تختلف عن تلك التي وقعت مع الحوثي، فكلها قادت إلى تمكين هذين المكونين العسكريين على حساب الدولة.
الصراع من أجل التمثيل
يحاول الانتقالي تقديم نفسه ككيان سياسي وكممثل وحيد للمناطق الجنوبية ويسعى لإلغاء القرار الدولي 2216 إلا أنّ محاولاته لم تنجح. ومؤخرًا، ظهرت كيانات أخرى مدعومة إقليميا مثل مجلس حضرموت الوطني، ومجلس شبوة بالإضافة إلى المكونات القديمة منها اعتصام المهرة ومكونات أخرى يصعب حصرها هنا. وتسعى هذه المكونات لتكون الحامل الشرعي لتمثيل محافظاتها في أي تسوية مقبلة. ولذا، فالمجلس الانتقالي مكون جنوبي وليس كيانا جامعًا لكل الجنوبيين. كما أنّ اعتماده على القوة العسكرية في السيطرة على بعض المحافظات كما حصل في شبوة مؤخرا أحيا آثار النزعة المناطقية وصراعات الماضي، وهذا هو الأخطر أمام المكونات الجنوبية بما فيها الانتقالي.
تحديات الانتقال إلى التسوية
هناك عدة تحديات ما تزال تعيق الوصول إلى تسوية سياسية منها: تمسك الحوثي والانتقالي بالسلاح الثقيل وبمشاريعهم السياسية، وانعدام الثقة بين الأطراف المتصارعة، ورغبة بعض القوى الإقليمية في البقاء على الفواعل المحلية ممثلة بالانتقالي والحوثي للحفاظ على مصالحها التي تحققت خلال فترة الحرب، ما يعني لا بد من البحث في كيفية التعامل مع هذه التحديات قبل الحديث عن التسوية وذلك من خلال إيجاد آليات لنزع السلاح الثقيل من يد الحوثي والانتقالي واحتكاره بيد الدولة مع التركيز على إيجاد قوة تعزز السلام على الأرض، ومن ثم يمكن تنفيذ عملية سياسية تأخذ بعين الاعتبار مصالح اليمنيين بما فيها القوى التي فرضت الأمر الواقع بالقوة العسكرية.
وبناء على ما سبق، هناك ثلاثة سيناريوهات: الأول، بقاء الوضع الراهن في حالة اللاحرب واللاسلم وهذا يخدم الجماعات المسلحة وسيقود إلى تدمير ما تبقى من مؤسسات صوروية للدولة. والثاني، تحقيق التسوية السياسية وهذا يتطلب تقديم تنازلات من الحوثيين والانتقالي والقوى الإقليمية المنخرطة في الصراع، وهذا السيناريو مستبعد في ظل المعطيات الحالية. والثالث، عودة الحرب.
ختامًا، الاستمرار في طرح المبادرات والحوارات بدون وجود سقف زمني محدد، وآليات واضحة لن يقود إلى إنهاء الحرب بل إلى فرص استيلاء جماعة الحوثي على شمال البلاد والانتقالي على جنوب البلاد بينما ستبقى المناطق الشرقية والجزر والممرات المائية اليمنية في خليج عدن والبحر الأحمر ساحة للصراع الإقليمي نظرا لأهميتها الاستراتيجية. ومن ثم انهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة اليمنية الضعيفة أصلا، ودخول البلد في صراعات هوياتية، ومذهبية لا يمكن التنبؤ بنهايتها الأمر الذي سينعكس سلبا على اليمن وجواره الإقليمي.
*القدس العربي