خصوم الأمس أصدقاء اليوم .. العرب والإيرانيون والأتراك خريطة تحالفات جديدة في المنطقة - تفاصيل
يتخذ بعض الخصوم في أنحاء الشرق الأوسط خطوات لإصلاح علاقات توترت نتيجة خلافات وصراعات قائمة منذ سنوات، وهو اتجاه ظهر جليا في الآونة الأخيرة من خلال الاتفاق بين إيران والسعودية لإعادة العلاقات الدبلوماسية، وفق تقرير لوكالة رويترز.
وأوردت قناة الإخبارية الحكومية السعودية أن وزيري خارجية إيران والسعودية اجتمعا في الصين في أول لقاء رسمي بين أرفع مسؤولين دبلوماسيين في البلدين منذ سبع سنوات.
وتقول رويترز إن ما يحصل يضع دول منطقة الشرق الأوسط أمام خريطة تحالفات جديدة.
منطقة رمادية
رغم أن برنامج إيران النووي لا يزال مصدر توتر، وتصاعد العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فإن الدبلوماسية خففت من حدة عدد من الخصومات في المنطقة.
يأتي هذا التحول وسط جهود لتعزيز التنمية الاقتصادية وتحركات جيوسياسية، بينما تسعى قوى أخرى، لا سيما الصين التي تتوسع علاقاتها التجارية في كل اتجاه، إلى كسب مزيد من النفوذ، وفق رويترز.
وصرح فالي نصر من كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز في واشنطن للوكالة أن "العرب والإيرانيون والأتراك يحاولون إنشاء منطقة رمادية حيث يمكنهم جميعا التعايش، بدلا من منطقة إما سوداء أو بيضاء".
وأضاف أن بعض حلفاء الولايات المتحدة خلصوا إلى أن مصالحهم لا تخدمها منطقة شديدة الاستقطاب، قائلا "هناك ديناميكية في المنطقة تدفع الجميع إلى منطقة الوسط".
السعودية وإيران
اتفقت السعودية وإيران على إعادة العلاقات في اتفاق توسطت فيها الصين. ويمكن للاتفاق بين الرياض وطهران نزع فتيل توترات وصراعات مثل حرب اليمن.
ويؤكد الاتفاق رغبة الرياض في إرساء الأمن مع تركيز ولي العهد في المملكة محمد بن سلمان على توسيع وتنويع الاقتصاد.
أما إيران التي يعاني اقتصادها من العقوبات الأميركية، فتسعى إلى تقويض الجهود الغربية لعزلها. والصين شريك تجاري رئيسي لكل من السعودية وإيران.
ونص بيان مشترك وقعته السعودية وإيران، الخميس، على أن البلدين سيعيدان فتح الممثليات الدبلوماسية خلال فترة الشهرين المنصوص عليها في اتفاق تم بوساطة الصين في مارس الماضي.
وذكر البيان أن البلدين ناقشا استئناف الرحلات الجوية والزيارات الثنائية للوفود الرسمية ووفود القطاع الخاص، بالإضافة إلى تسهيل تأشيرات الدخول للمواطنين.
وصدر البيان المشترك في ختام مباحثات وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان آل سعود، ووزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في العاصمة الصينية بكين.
الإمارات وإيران
وتحركت الإمارات، مدفوعة أيضا بالمصالح الاقتصادية التي تعتمد على سمعتها كملاذ آمن للأعمال، للتواصل مع طهران في عام 2019 لترفع مستوى العلاقات الدبلوماسية معها في أغسطس.
وعينت إيران سفيرا لها لدى الإمارات للمرة الأولى منذ عام 2016.
فالثلاثاء، أعلنت طهران أنها لأول مرة منذ ثماني سنوات عينت سفيرا لدى الإمارات.
وشغل السفير المعين حديثا، رضا عامري، في السابق منصب المدير العام لمكتب المغتربين الإيرانيين في وزارة الخارجية.
وأوضحت وكالة "مهر" الإيرانية، أن "عامري شغل منصب سفير إيران في الجزائر والسودان وإريتريا".
وقررت الإمارات، في ٢١ أغسطس الماضي، إعادة سفيرها، سيف محمد الزعابي، إلى إيران، في خطوة هي الأولى منذ أن خفضت تمثيلها الدبلوماسي في هذا البلد سنة 2016، بعد اقتحام مجموعات إيرانية للسفارة السعودية في العاصمة طهران إثر إعدام رجل الدين الشيعي المعارض، نمر النمر، في المملكة، وفقا لوكالة "فرانس برس".
وأوضحت الإمارات أن ذلك يأتي تنفيذا لقرار "رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى درجة سفير"، و"بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين الجارين والمنطقة"، بحسب فرانس برس.
تركيا والسعودية ومصر والإمارات
توترت العلاقات بين تركيا والسعودية ومصر والإمارات بعد انتفاضات "الربيع العربي" عام 2011، عندما دعمت تركيا الإسلاميين الذين نافسوا الأنظمة العربية على السلطة، وفق رويترز.
وساءت علاقات أنقرة بالرياض في 2018 عندما قتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول. واتهم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان "أكبر المسؤولين" في الحكومة السعودية بإصدار الأوامر.
لكن خلال عام 2021، أطلقت تركيا جهودا لتهدئة التوتر مهدت الطريق لزيارات رسمية وصفقات استثمارية في وقت شهد فيه الاقتصاد التركي أزمة عميقة.
ووافقت السعودية في مارس الماضي على إيداع خمسة مليارات دولار في البنك المركزي التركي.
ويأتي هذا الدعم المالي لتركيا رغم أن السعودية أعلنت مؤخرا عن تغيير في نهجها المالي مع حلفائها، حيث تتحول الرياض للاستثمار بدلا من الدعم المباشر.
وفي يناير الماضي، قال وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، إن المملكة تغير نهجها في طريقة تقديم المساعدات لحلفائها وتشجع دول المنطقة على إجراء إصلاحات اقتصادية.
لذلك صرح المحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، في حديث سابق لموقع "الحرة" أن هذه الوديعة جاءت بعد اقتناع الرياض "بأن جهود أنقرة في تنفيذ إصلاحات حقيقية باتت ملموسة على أرض الواقع".
وتتحسن العلاقات بين مصر وتركيا، التي عارضت الإطاحة التي قادها الجيش المصري بالرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في عام 2013. وفي 18 مارس، زار وزير الخارجية التركي القاهرة لأول مرة منذ عقد.
وقال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال مؤتمر صحافي مشترك، حينها: "نعمل من أجل تطبيع العلاقات مع تركيا، وبدء مرحلة جديدة من التعاون المشترك، وأجريت مع نظيري التركي مباحثات مهمة وشفافة".
من جانبه أكد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن "الزيارات بين الطرفين ستكون متواصلة، وأدعو وزير الخارجية المصري لزيارة أنقرة"، مضيفا: "سنبذل قصارى جهدنا من أجل التطبيع الكامل للعلاقات وعدم العودة للوراء، وتباحثت مع نظيري المصري في تطوير العلاقات بمجالات الاقتصاد والطاقة والمجال العسكري".
ورأى المحلل التركي، طه عودة أوغلو، في حديث سابق لموقع "الحرة"، أن اللقاء بين شكري وأوغلو، بمثابة "صفحة جديدة في العلاقات، لكنها لم تصل إلى مرحلة التطبيع، خصوصا أنه لم يتم الحديث عن موعد عودة السفراء، إذ يبدو أن هناك بعض الشروط المصرية فيما يتعلق بالملف الليبي، وكذلك الإخوان، والخلافات التركية مع قبرص واليونان".
وانعكس تحسن العلاقات جليا في ليبيا، حيث تدعم تركيا حكومة طرابلس بينما تدعم مصر والإمارات الفصائل في الشرق. ويقول دبلوماسيون إن تحسن العلاقات جعل من السهل على الأطراف الليبية المتحاربة الالتزام بوقف إطلاق النار، حسب رويترز.
قطر والإمارات ومصر والسعودية
قطعت مصر والإمارات والبحرين والسعودية العلاقات مع قطر في عام 2017 بسبب اتهامات لقطر بدعم الإرهاب، وهو مصطلح فضفاض يشير إلى الحركات الإسلامية، وهو الاتهام الذي نفته الدوحة.
وأخذت السعودية زمام المبادرة في إعادة بناء العلاقات عام 2021، معلنة إنهاء مقاطعة قطر.
وعينت الرياض والقاهرة سفيرين لهما لدى الدوحة، بينما لم تقدم أبوظبي والمنامة على ذلك بعد.
واستأنفت جميع الدول باستثناء البحرين روابط السفر والتجارة مع قطر.
إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب والسودان
اتسعت العلاقات الإسرائيلية مع دول المنطقة بشكل كبير في عام 2020 بفضل "اتفاقيات إبراهيم" بوساطة الولايات المتحدة. وكانت الإمارات والبحرين أول من أعلن إقامة علاقات مع إسرائيل، مدفوعتين بالقلق بشأن إيران، تلاهما المغرب.
ثم أعلن السودان وإسرائيل في فبراير شباط التوصل إلى اتفاق لإقامة العلاقات، ومن المقرر أن يتم التوقيع عليه في أعقاب انتقال السلطة من الجيش إلى حكومة مدنية في الخرطوم.
وتأمل إسرائيل في إقامة علاقات مع السعودية أيضا، حسب رويترز.
ورغم أن الرياض أشارت إلى دعم ضمني لاتفاقيات إبراهيم، وسمحت للناقلات الجوية الإسرائيلية بالتحليق في مجالها الجوي، فأنها تقول إن أي علاقات ستتطلب تقدما في مسعى الفلسطينيين المتعثر لإقامة دولتهم.
على نحو منفصل، أعادت تركيا وإسرائيل العام الماضي العلاقات التي شهدت توترا على مدى أكثر من عقد.
النظام السوري ودول عربية وتركيا
أعادت دول عربية عدة، دعمت في السابق معارضين يقاتلون رئيس النظام السوري بشار الأسد، العلاقات مع دمشق.
وأخذت الإمارات زمام المبادرة، وكان من أسباب ذلك مواجهة نفوذ إيران التي ساعدت الأسد على استعادة معظم أراضي سوريا.
وتسارعت وتيرة هذا الاتجاه منذ وقوع زلزال السادس من فبراير، الأمر الذي أدى إلى تدفق الدعم العربي إلى سوريا.
وتقول مصادر لرويترز إن سوريا والسعودية اتفقتا على إعادة فتح السفارتين. وأفادت مصادر أيضا بأن الرياض تخطط لدعوة الأسد لحضور قمة عربية في مايو.
الحرة / وكالات