بصمات ترامب على اتفاق وقف النار في لبنان... تجاوب إيراني وإسرائيلي مع تبريد الساحات
يمكن بسهولة تلمّس بصمات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى القبول بوقف النار مع لبنان. وسارع مستشار الأمن القومي في الإدارة المقبلة مايك والتز إلى نسب الفضل بالتوصل إلى وقف النار إلى الرئيس المنتخب. وقال :"كل الأطراف تأتي إلى طاولة المفاوضات بسبب ترامب... لقد بعث فوزه الكاسح في الانتخابات برسالة إلى بقية العالم، بأن لا تسامح مع الفوضى". لم يكن في وسع نتنياهو التملص من رغبة ترامب بوقف النار في لبنان. ولربما لو كان الأمر متعلقاً بالرئيس جو بايدن وحده، لكان سهّل على رئيس الوزراء الإسرائيلي المراوغة في الذهاب إلى وقف النار، على غرار ما فعل في غزة طوال 14 شهراً. على هذا النحو، شكل وقف النار في لبنان اختباراً مبكراً لديبلوماسية ترامب. وغداً، يحمل المفاوضون الإيرانيون إلى نظرائهم الأوروبيين وقف النار الذي تم التوصل إليه في لبنان، كمؤشر إلى رغبة طهران في سلوك الديبلوماسية وصولاً إلى تفاهم أوسع بين إيران والقوى الغربية بما فيها الولايات المتحدة. ويحمل الأوروبيون في المقابل هواجسهم حيال الملف النووي والقضايا الإقليمية، من لبنان إلى غزة وسوريا والعراق واليمن. وتنبع أهمية هذه الجولة من المفاوضات من أنها تأتي قبل أسابيع من تولي ترامب مهماته رسمياً في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل. كانت أوروبا اضطلعت بدور الوسيط بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وطهران في أوائل 2021، قبل أن تتعثر من دون أن تتوقف، ومن دون أن تنتهي إلى نتائج ملموسة، باستثناء صفقة الإفراج عن سجناء أميركيين في إيران في مقابل إفراج الولايات المتحدة عن أموال إيرانية مجمدة بفعل العقوبات الأميركية، ثم اندلعت حرب غزة، لتعود العلاقات الأميركية-الإيرانية إلى نقطة الصفر. بعد التطورات التي طرأت بفعل الحرب وتبادل إيران وإسرائيل الضربات العسكرية المباشرة، والحرب على غزة ولبنان، هناك واقع إقليمي جديد يملي على إيران إبداء قدر كبير من المرونة في التعاطي مع الملفين النووي والإقليمي. من المؤكد أن ترامب سيبني على التحولات التي شهدها الشرق الأوسط إبان ولاية بايدن لدى صوغه أي سياسة أميركية جديدة حيال المنطقة. وبينما تسري تكهنات باحتمال العودة إلى سياسة "الضغوط القصوى"، فإنّ مثل هذه السياسة لم تثمر قبل أربعة أعوام، وإنما دفعت إيران إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة، أي أقل بقليل من درجة التخصيب اللازمة لصنع قنبلة نووية، ويقال إن طهران تملك مخزوناً من اليورانيوم المخصّب أكثر بـ32 مرة مما ورد في الاتفاق النووي لعام 2015. ومن دون شك ألحقت "الضغوط القصوى" خسائر فادحة بالاقتصاد الإيراني. والعودة إلى هذه السياسة اليوم تعني أن السوق النفطية ستفقد أكثر من مليون ونصف المليون برميل نفط في اليوم، ما قد يؤدي إلى خضة في الأسواق والتسبب بارتفاع سعر البرميل، وتالياً التضخم في أكثر من بلد بما في ذلك في أميركا. قد يحمل ذلك ترامب على البحث عن صفقة مع إيران في ظل التلويح باستئناف العقوبات. وبما أن طهران سارعت إلى تلقف عودة ترامب بتبني الديبلوماسية خياراً أولياً من دون التخلي بالكامل عن التلويح بين الحين والآخر بحقها في التخصيب أو باتخاذ إجراءات على غرار تلك التي اتخذتها الأسبوع الماضي من تشغيل المزيد من أجهزة الطرد المركزي "الجديدة والمتطورة". والحوار الأوروبي-الإيراني الذي سبقه وقف النار في لبنان، من شأنه خفض التصعيد في المنطقة وفتح الباب أمام اتفاق مماثل في غزة، وفق ما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. إن تبريد الساحات قبل عودة ترامب، يترجم واقعاً متدرجاً على الأرجح.