صفعة أطارت الوهم.!
زارني مؤخرا أحد زملاء الدراسة فتحدثنا عن مختلف الأوضاع وخصوصا ما يحدث في غزة ولبنان، ثم فاجأني بسؤاله:
_ يا أستاذ محمد هل هذه القصص التي تكتبها حقيقية؟ يعني حدثت لك فعلا؟
وحين بدأت أحدثه عن القصة القصيرة، وأنها فن لابد فيها من بعض الخيال قاطعني وروى لي قصة عجيبة حدثت له مؤخرا... قال:
في سوق القات الذي بحارتنا مقوت " بائع قات" اسمه عبده مدهش اشتهر بأنه يصيب بالعين، ويروي الناس عنه الكثير من القصص، منها أنه أطل على هنجر مزرعة دجاج فقال:
_ هذه مزرعة دجاج أو حجاج قد لبسوا الإحرام؟!
فماتت الدجاج كلها.!
وزعم بعضهم بأنه تسبب في تعطل شيول جديد عندما رآه يهرول مسرعا فقال:
_ ما له هارب هكذا وأصفر كأنه أصيب بفجعة.!
فتعطل الشيول على الفور .!
ولكثرة ما يروى عنه كنت أخاف من مجرد المرور من أمام دكانه، فأنا أؤمن بأن العين حق.
مؤخرا دعيت إلى عرس أحد الأقارب فلبست أفخر ثيابي، وحلقت شعري، وذهبت إلى سوق القات في طريقي إلى العرس وأنا بكامل أناقتي، ولأنني قد شردت بذهني تماما حيث كنت أتذكر تفاصيل عرسي ذهبت إلى دكان عبده مدهش واشتريت منه القات، فقال لي:
_ أنت يا شيخ منور مثل قمر شعبان، كأنك اليوم عريس.!
وأضاف:
_ الناس في أزمة وأنت في عيد.!
بعد أن خرجت من السوق بنصف ساعة انتبهت إلى كلام عبده مدهش فأجتاحني خوف شديد، وقررت العودة إلى عبده مدهش، ليصلي على النبي ويقول: ما شاء الله.
ولو أنها متأخرة.
قلت في نفسي:
_ سأجعله يقرأ المعوذات والفاتحة ويبصق علي.
_وإذا أستدعى الأمر يتوضأ وأغتسل بوضؤه.
حين رجعت وجدت الدكان مغلق فسألت عليه فأخبروني أنه باع قاته ومضى.
_ هل تعرفون منزله؟
سألتهم فلم أجد الجواب.
وحين لم أجده وفشلت في الحصول على عنوانه زاد خوفي وغشيني العرق وعدت إلى منزلي وقد أصابني صداع شديد فاستغربت الزوجة والأولاد من عودتي إليهم فأخبرتهم بما حدث.
حاولت الزوجة تهدئتي وأعطتني قرص بنادول فتناولته، ولكن الصداع لم يخف بل لقد زاد، وتضاعف خوفي وأصبت بحالة من الهستيريا، أجري في أرجاء البيت كالمعتوه وأصيح:
_ أين عبده مدهش يتفل علي ؟!
_ أنا سأموت بسبب عينه.
_ هاتوا شيخ يقرأ علي رقية بسرعة.
أجرت الزوجة عدة اتصالات لأقاربها فأعطوها رقم هاتف شيخ معروف بقراءة الرقية، وحين اتصلت به كان هاتفه مغلقا، بحثت عن شيخ آخر واتصلت به لكنه كان مسافرا في الحديدة.
صرخت فيها:
_ أنا سأموت والشيخ راح يصيف.!
حاولت تهدئتي ولكن دون جدوى، كنت كالثور الهائج ، وحين اقترحت علي بأن نذهب للشيخ القدسي صرخت فيها:
_ القدسي عنده زحمة جدا.
_ طيب نروح معبر عند الشيخ محمد الإمام؟
_ لن نصل الا وعين عبده مدهش قد تغلغلت في وقضت علي.
_ ....
صمتت الزوجة تماما فيما هرب الأطفال إلى غرفتهم وأغلقوا الباب عليهم.!
صرخت فيها:
_ اتصلي بأخوتي، اعملي حاجة.
اتصلت بإخواني فاعتذروا عن المجيء لانشغالهم، وطلب أخي الأكبر أن أهدأ، وأن أرقي نفسي بقراءة المعوذات والفاتحه وآية الكرسي وبعض الأدعية، لكني لم أستمع له، لقد صرخت فيه وشتمته النذل، ولعنت إخواني ومن زاد ركن عليهم.!
لقد أغلق خوفي أمامي كل الأبواب، انهارت روحي المعنوية، وأيقنت أنني ميت لا محالة.
سأموت وأكيد زوجتي ستتزوج بعد موتي بابن خالها الذي كان يريدها ورفضته، لقد صار الآن من الأغنياء.
تخيلتها بجواره وهو يمازحها فغلي الدم في عروقي وذهبت إليها:
_ اذا مت ستتزوجين بسامح بن خالك صح ؟
_ لن يحدث لك شيء، فقط أهدأ واقرأ القرآن وعلى ضمانتي لن تصاب بأي شيء.
أخذت المصحف وطلبت منها أن تحلف عليه بأنها لن تتزوج بعد موتي.
حلفت على المصحف أنها لن تتزوج. لكني أيقنت أنها ستكفر عن يمينها وتتزوج.!
لكن ماذا سأفعل؟
أقتلها ؟
لا لا موت وجهنم لا ، طز فيها هي وبن خالها، ذلك الثور الذي يشخر وهو صاحي.!
نظرت إليها بعين تقدح شررا فوجدتها هادئة تماما ولا كأنني سأموت بعد قليل؟!
برودها استفزني فصفعتها بكل غضب وحقد، وأخذت هاتفها ورميته على الحائط حتى تناثر إلى قطع صغيرة.
أجهشت باكية ثم لململت حاجاتها ورحلت مع الأطفال إلى أهلها.
بعد أن غادروا صليت العصر، ثم كتبت وصيتي وطرحتها على الطاولة.
ذهبت إلى غرفة النوم وتمددت على السرير، وجعلت أذكر الله استعدادا للموت القادم.
لست أدري كم بقيت استغفر حتى غلبني النوم فنمت؟!
بعد العشاء صحوت على طرق عنيف على باب البيت. فتحت كانت أمي ومعها أخي.
_ أين زوجتك والأطفال؟
سألتني.
_ تركوني حين وجدوا أني سأموت.
_ ..ومن قال أنك ستموت؟!
_ عبده مدهش مرعني وأكيد سأموت.
صفعتني أمي صفعة جعلتني أفقد توازني.
_ ليتك مت يا قليل العقل. خلاص صرت تعلم الغيب ومتأكد أنك ستموت؟!
وأضافت:
_ توهم نفسك بالموت، وتقوم تجنن وتجعر مثل الثور، وتضرب زوجتك وتخيف أطفالك يا سفيه.
أرجعتني أمي إلى صوابي، وأخرجت من حقيبتها هاتفا جديدا قائلة:
_ زوجتك وأطفالك عندي، الآن تروح معي تصالح زوجتك وتعيدها هي وأطفالك للبيت.
قال أخي:
_ زوجتك بنت ناس وتحبك، ولو وصلت إلى أبيها لجاء وصفعك بالحذاء، ولن يرجع زوجتك الا بعد أن يجرعك المر .
صالحت زوجتي وأعطيتها الهاتف الجديد، وعدنا للبيت ولم أصب بأي مكروه.
الآن أشتري قات من عبده مدهش وأمازحه دون خوف.
لقد أقسم لي بأن قصة العين ما هي إلا شائعات روجها خصومه بالسوق، لكنني اذا وجدته يقول كلمة فيها وصف ومبالغة أجعله يقول: ما شاء الله، ويصلي على النبي صلوات ربي وسلامه عليه.
الآن كلما أتذكر ما حدث أندم أشد الندم وأدعو لأمي وأخجل مما فعلته بزوجتي وأطفالي.
*قصة قصيرة