السبت 7 ديسمبر 2024 04:39 صـ 6 جمادى آخر 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

جدري القردة ينتهي بالإنسان.. اجتماع طارئ وتسجل عشرات الإصابات

السبت 7 ديسمبر 2024 04:39 صـ 6 جمادى آخر 1446 هـ

جدري القردة جاء، فما يبدأ مع القرود ينتهي بالإنسان كما يقول علماء الميكروبيولوجيا. بدأت منظمة الصحة العالمية غشوميتها كالعادة بضرب الطبل: اجتماع طارئ. عشرات الحالات سجلت في أوروبا. لقاح الجدري الاعتيادي يوفر حماية ضد جدري القرود بدرجة تصل إلى ٩٠%. الحقيقة أن لقاح الجدري هو أول لقاح في التاريخ، وهو فاتحة علم اللقاحات. إذ لوحظ، قبل قرنين ونصف القرن، أن بائعات الحليب ومربيي الأبقار لا يصابون بالجدري البشري. ذلك أنهم يصابون بجدري الأبقار فيحميهم من الأنواع الأخرى. قادت الملاحظة إلى باب جديد في علوم الطب. الجدري ضارب في التاريخ، يعرفنا ونعرفه. وجدت آثاره في الموميات المصرية في عهد رمسيس الخامس (الفرعون الرابع). ويعتقد تاريخيا أنه انتقل من مصر إلى الهند في المراحل المبكرة للعولمة، مع قوافل التجارة في الألف الأول قبل الميلاد. من الهند إلى الصين، ومن الصين إلى اليابان عبر البضائع. يعتقد أيضا أن البضائع المصرية نقلت أيضا الطاعون إلى اسطنبول في القرن الخامس الميلادي. كانت مصر واحدة من أهم حواضر الدنيا (حرفيا: أم الدنيا)، ونعرف من علم الأوبئة أن الميكروب يتطلب مجتمعا كبيرا، متشابكا بمسافات قصيرة، أسواقا، وطقوسا جماعية كثيفة ليعبر عن نفسه على هيئة وباء. تلعب الصين راهنا الدور الذي لعبته مصر في فجر التاريخ. قتل الجدري قديما ثلث البشرية وأكثر. بالمناسبة: هناك ندوة علمية قدمتها جمعية ابن سينا بعنوان الصراع مع الأوبئة في التاريخ، عودوا إليها، الرابط في الأسفل.

مطلع العام الماضي، الأول من يناير، حصلت على الجرعة الأولى من لقاح بايونتيك. أعطيت أول جرعة لقاح في ألمانيا بتاريخ 27.12.2020، قبلي بأربعة أيام. ثم حصلت على الجرعة الثانية بعد ثلاثة أسابيع، وكلما رحت إلى مكان وفحصوا بطاقة اللقاح خاصتي ينظرون إلي بريبة ويغمغمون: كنت ضمن أول مجموعة حصلت على اللقاح في ألمانيا؟ فأمنحهم ابتسامة بلهاء قائلا: تقدر تقول ضمن أول ألف. الحقيقة أني حصلت على الجرعة ضمن أول بضعة آلاف، وكانت تهرب كالمخدر. إذ تلقيت اتصالا من نائب البروفيسور هايلار صباح الأول من يناير، قال حصلنا على عشر جرعات لكبار الأطباء فقط. انطلقت إلى المكان، كان محاطا بالأمن والريبة والتدابير المربكة. بعد ذلك بساعتين شاركت في ندوة على زووم مع متابعي صفحتي وتحدثنا عن الكتب.

جرى جدل واسع حول الجرعة الثالثة: موعدها، حجمها، قيمتها الإكلينيكية، وسوى ذلك. غادرت مكان عملي إلى فرصة جديدة، راكضا وراء كهرباء القلب بما للتخصص من ندرة وعنفوان وإبهار، وتأخر موعد الجرعة الثالثة حتى ديسمبر من نفس العام. وفي الأول من يناير من هذا العام، بعد سنة كاملة بالتمام، صحوت باكرا وقلت لساره ياسين: في حياتي لم أعان من نزلة برد بهذه البشاعة والقسوة. أجرت لي فحصا سريعا وانشغلت عني. ثم سمعتها تقول: أوه شيت. عرفت أني أصبت بكورونا، وسأعرف بعد ذلك أنه أوميكرون. فقط بعد انقضاء ثلاثة أسابيع على الجرعة الثالثة من اللقاح. الساعات اللاحقة ستكون ضارية وستصل حرارتي إلى 41، وسأشعر أن كل أحشائي تتبخر.

خلايا دمي البيضاء منخفضة دائما، في كل مرة أجري فيها فحصا روتينيا علي أن أشرح للطبيب أن الأمر ليس مشكلة طبية وأنها ظاهرة معروفة لدى يهود اليمن وبعض الفئات في الشرق الأوسط. تختصر الظاهرة ب BEN. وأحيانا أحيلهم إلى دراسات من تل أبيب لاحظت انتشار الظاهرة لدى نصف اليهود اليمنيين، وانعدامها تقريبا لدى يهود أوروبا وروسيا. تكرر الأمر مع هيلين عندما احتاجت لعلاج خاص، قلت لهم إن خلاياها البيضاء الناقصة ورثتها مني، وكان علي أن ألتقي أطباءها في ثلاث جلسات وأن أعيد ما قلته عن هذه الظاهرة الجينية المرصودة لدى يهود اليمن وبعض قبائل جنوب السعودية (تصل النسبة هناك إلى 20% من السكان). كنت أعرف أن البيانات العلمية الإسرائيلية لم تلاحظ أي نقص في نشاط جهاز المناعة، مثل ارتفاع معدل الإصابات الميكروبية، لدى تلك الفئة من الناس، ومع ذلك فقد أفزعني أن يصل كورونا بكل شراسته وغموضه إلي، أنا ذي الخلايا البيضاء القليلة. مع تطور حالتي اتصلت الليدي ساره بالإسعاف وجاءت العربة العملاقة بالبشر المتوشحين بالأصفر وقرروا نقلي إلى المشفى. جهزت لي ساره حقيبة صغيرة وقالت وهي تودعني: لو صارلك إشي حقتل البنات وبعدها حقتل حالي. كانت تلك لحظة عصيبة يعرفها فقط الذاهبون إلى معارك خاسرة. جلست في السيارة، الأوكسجين على ما يرام، الحرارة عادية. قلت لهم تحممت قبل دقائق بماء بارد واستخدمت مخفضات حرارة. تأمل فتى في بطاقتي الشخصية، رفع رأسه وقال: حضرتك دكتور في إيش؟ قلت: طبيب. تميز ألمانيا الحاصلين على درجة الدكتوراه، أيا كان التخصص، بكتابة اللقب قبل الإسم على البطاقات والجوازات إلخ. يتوقع الشخص معاملة خاصة وهذا ما يجري في العادة. قلت للفتى: أنا طبيب. أجاب: إحنا مساعدين مش أطباء. القرار متروك لك. قلت لهم: سأنزل، سأبقى إلى جوار أسرتي.

مع الأيام تحسن وضعي، انحجزت في المنزل أكثر من اسبوعين، ولم يعان أحد في بيتنا من الأعراض سواي.