الجمعة 8 ديسمبر 2023 02:18 صـ 24 جمادى أول 1445 هـ
المشهد اليمني رئيس التحريرعبد الرحمن البيل

من القاتِل ؟

فيصل عانى ، فلتنتبهوا لمن حولكم،
لن أحول موته الى تهمة تلصق بالكهنوت كقتل مباشر لتبرير التخلي الاجتماعي عن فيصل وعن ألف فيصل في هذه السنوات بل يمكنني القول وبطريقة غير مباشرة تسبب الكهنوت بموته، وموت آلاف الشباب، فالوضع المعيشي والسياق القلِق، وتحويل صنعاء الى مدينة للجوع، وقتل للإبداع، وإنهاء الفضاء الأدبي ومحاصرة الشباب والمبدعين من الكتابة وإغلاق المكتبات ودور الثقافة وإخماد جذوة الفكر تسبب بقتل فيصل، وكل أمثال فيصل.

فيصل مبدع، صعد صنعاء لتكون نافذته للإنطلاق ولكنه تفاجأ بواقع آخر، أن صنعاء تحولت الى سجن كبير، زنزانة بلا نهاية .
غادر فيصل البلاد الى صنعاء ليكسر الحاجز وإلتحق بكلية الإعلام، أنا الوحيد من البلاد خريج إعلام، رغم أن أقرانه وكل من حوله توقفوا عن الدراسة واتجهوا للعمل وتهربوا السعودية، ولكن فيصل قرر مواجهة الظروف ولم تسعفه صنعاء كما أسعفت أجيال قبله.

كانت صنعاء ملاذاً للذين لا ملاذ لهم، عمل ومعارف وأهل بلاد ولا يمكنك أن تشعر في صنعاء بقلة الحيلة، تستطيع على الأقل أن تبقى حياً ولو لم تفعل شيئاً، وأنت تمارس حياتك، حتى دخلت صنعاء بعهد الكهنوت وأٌظلِمت، الأبواب التي تنفتح لك أٌغلِقت والأيادي التي تساعدك أفقرت، والفضاء الحر الذي يحييك تلاشى، أمست صنعاء مناحة، مناحة كبيرة، لا تناسب فيصل وأحلامه
أمنياته الكبيرة،
فيصل أراد أن تكون صنعاء محطته الى الأعالي،نافذته الى السمو، ككل مدن الفيض التي صنعت اسماء كثيرة، مدن الملاذ لكل الأدباء والمبدعين، مدن الإنتقال الخرافي، واللمعان،والبحث عن الذات، فيهن، لكنه ينصدم فيصل بصنعاء السوداء والمظلمة والمكلحة بالخضرة المزيفة، في زمن القحط والجوع، فقرر الموت، والإحتجاج على هذا العالم، وفي بقعة كانت تراوده كجلم جميل .

من قتل فيصل ؟
قتله مجتمع لا يفهمه، ووضع خالف حلمه، قتلته أفكاره الكبيرة، ومخيلاته السابقة،في صنعاء أدرك زيف ما قرأ، وزيف كل الناس، أدرك أن الانسان حشرة وأن البقاء خاصة في صنعاء جريمة، جريمة كبرى، وهو يرى كل شيء يتهاوى أمامه، وصنعاء تتلاشى بنظره، فقرر أن يذهب، ذهابه الأخير، والى النهاية

من وسط الجامعة، أشهر فيصل موته ضد العالم، كانت الجامعة حلمه الأكبر، وحاول أن يصبح مهندساً فلم تقبله الجامعة، لماذا أختار فيصل أن يموت في باحة جامعة الهندسة ؟
كانت الهندسه حلمه، ومن سنة والى أخرى يفشل فيصل في القبول بالهندسة وهذه قتلته،وقرر أن يدرس بكلية الإعلام وإنصدم بواقع الإعلام أكثر، ثم غادر كليته وذهب ناحية كلية الهندسة، ومات، صاح بالعالم : أموت حيث حلمي الأول والأخير،قتله حلمه، قتلت أمنياته الكبيرة، فبيت الثقافة حيث ألقى،بعض قصائده، تحولت محل ملابس داخلية، وكلية الهندسة المشرعة للأغبياء وعيال الذوات الكهنوتية لم تقبله، والإعلام ليست أكثر من زريبة، كل شيء أنهار أمامه

كذلك الوضع المعيشي، الذي يعيشه الناس، وفيصل أحدهم، ابناً لشخص نبيل عاطل عن العمل، الكهنوت يميت الناس من الجوع،كذلك المجتمع الذي بلا رحمة، يتخلى عنك، ولا يشعرك بالدفء، وما أقسى أن تشعر بالبرد رغم كثرة الذين حولك، كل هذا قام بقتل الفيصل .