المشهد اليمني
الأربعاء 9 أكتوبر 2024 10:26 صـ 6 ربيع آخر 1446 هـ
المشهد اليمني رئيس التحريرعبد الرحمن البيل
انهيار جنوني للريال اليمني أمام العملات الأجنبية ضل طريقه إلى البحر.. صاروخ حوثي يقتل قطيعًا من الغنم شمالي اليمن تطور جديد بشأن الصحفي محمد المياحي المختطف لدى مليشيا الحوثي مليشيا الحوثي تصادر مكتب سفريات في صنعاء بحجة تبعيته لـ‘‘حميد الأحمر’’ رغم تضامن قياداتها معه ضد العقوبات الأمريكية نهاية أستاذ كبير درجات الحرارة المتوقعة في اليمن اليوم الأربعاء مقتل صيدلاني يمني وجميع أفراد أسرته في غارة للطيران الإسرائيلي على حي المزة بسوريا (أسماء) تصريحات مفاجئة لمدير المخابرات الأمريكية يكشف ”سر” التصعيد الإسرائيلى والاغتيالات لقيادات حزب الله ما وراء إحجام إسرائيل على الرد على هجمات الحوثيين رغم تهديدات ”نتنياهو” !! الإعلام العبري ينشر صورة ابرز المدرجين على قائمة الاغتيالات وعلى رأسهم ” عبدالملك الحوثي ” سيؤن: معهد الطبري الطبي يحتفل بتخريج أول دفعة في ثلاثة تخصصات طبية أسباب استجابة الدعاء: ماذا يجب أن نفعل لجعل دعائنا مقبولاً؟

 علي البخيتي ومغامرة فيليب بوتي

مجاهد عبدالمتعالي
مجاهد عبدالمتعالي
44.200.94.150

فيليب بوتي فعلها مشيا على قدميه وتوازنا بيديه منذ سبعينيات القرن الماضي، وعلي البخيتي فعلها مشيا بقلبه وتوازنا بعقله. فيليب بوتي لمن لا يعرفه هو أشهر وأبرع من سار على الحبل المشدود بين مبانٍ شاهقة في العالم، ومن أهمها المشي في 1974 على سلك مشدود بين سقفي برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك. وما زال فيليب بوتي حيا، متجاوزا السبعين من العمر، ونرجو لـ«أبي توجان» أن يصل إلى ضفة مشواره الفكري والسياسي وهو بكامل صحته، في سبيل عالم عربي أجمل وأكثر تسامحا وإنسانية.

هل علي البخيتي ظاهرة سيئة أم حسنة؟. الإجابة العقلانية الموضوعية لهذا السؤال هي أنه لا ظاهرة سيئة ولا حسنة، بل هو ظاهرة طبيعية جدا لمواطن يمني عاش طفولته المستقرة داخل أسرة زيدية، تتحمل أعباء زعامتها القبلية في نطاقها الضيق، لكنها تؤمن بالتعددية والتسامح الفكري بشكل فطري، يظهر في فلتات لسان والد علي البخيتي (الشيخ القبلي/‏‏ ناصر البخيتي)، الذي يسمي نفسه «أبو آل البيت جميعا»، حيث سمى أبناءه العشرة من «محمد وعلي» إلى «عائشة وحليمة» مع نزعة قومية عربية واعتزاز وطني. لهذا نستطيع القول إنه نشأ طفولة حرة على المستوى الأسري، تقبل بالاختلاف والتعددية، لكنها على المستوى الديني عانت في طفولتها مظاهر «التنمر المذهبي الطائفي» ضد أهل بيته وقبيلته من الزيود، وتزعم ذلك التنمر «الإخوان المسلمون» كحزب سياسي /‏‏ طائفي.

كبر علي البخيتي وسط هذه الأجواء باستعدادات «يسارية فطرية»، ليست متعمقة في الماركسية، ولكن لديها إحساسا عميقا شديد الرهافة باتجاه «العدالة الإنسانية»، وهذا ما يفسر بدايته مع الحزب الاشتراكي، ثم «انتماءه للحوثي» عندما كان مظلوما، وانقلابه عليه عندما صار ظالما، مع تعاطفه الواضح مع بني وطنه من يهود اليمن في المهجر، بالإضافة إلى إيمانه السياسي حتى هذه اللحظة بأن «الحوثيين» مكون يمني أصيل، له من الحقوق ما لجميع المكونات اليمنية من حقوق «مواطنة» دون مزايدات باسم السلالة والعُترة، أو غيرها من اجترارات غض الطرف عنها بعض اليسار اليمني، لأنهم يرون فيها مقابلا موضوعيا مناسبا لمقاومة أي تمدد أيديولوجي متزمت، يفسد المكونات التقليدية لليمن «التعددي» ـ حسب رأيهم. فمنذ أيام الإمامية الزيدية، التي عاش في كنفها الإمام محمد بن علي الشوكاني (ولد 1173هـ وتوفي في صنعاء 1250 هـ) كأحد أكبر علماء أهل السنة والجماعة في المشرق الإسلامي آنذاك، جامعا بين تقديره من أخذ عنهم العلم من كبار علماء الزيدية وبين تقديره «ابن تيمية»، وتأييدا لهذه المفارقة، التي تفسر الشخصية اليمنية التي يعتبرها البعض متناقضة ومتذبذبة، سنجد أن السيد إبراهيم بن عبدالله الحوثي (ولد 1187هـ وتوفي 1223هـ) قد ذكر الإمام الشوكاني في كتابه «نفحات العنبر في تراجم أعيان القرن الثاني عشر» بجميل الثناء والتقدير. ووفق هذا الهارموني القديم، يظهر مدى تعقيد وتداخل «الملف اليمني»، اجتماعيا ومذهبيا وسياسيا، قبل قرابة القرنين، فكيف باليمن الحالي المتجاوز ثلاثين مليون نسمة؟!.

قد يرى بعض من النخبة اليمنية أن «الحركة الحوثية» ـ حسب وجهة نظرهم ـ معادل موضوعي لأي اختراق خارجي بالمعنى الأيديولوجي أولا، أو العسكري ثانيا، فإذا انتهت صلاحية الحوثي «السياسية» سيتم التخلص منه فورا إذا لم يعترف بالجمهورية اليمنية بالمعنى الحديث، أو على «السيد عبدالملك الحوثي» أن يمضي بقية حياته، كما يفعل «سماحة السيد حسن» في لبنان، مختبئا مختفيا، يخشى الاغتيال في كل همسة صوت يتخيلها رصاصة قناص، أو ظرف بريدي يتخيله رسالة مفخخة، فلا هو عاش حياة سياسية طبيعية كأي «زعيم سياسي محترم»، معترف به حول العالم، يلتقي الرؤساء والسفراء تحت الشمس، ولا هو عاش كـ«عميل استخبارات لجهة ما»، يختبئ عن الأنظار، معللا نفسه بتقاعد مريح في بقعة جميلة من بقاع العالم، فليس لائقا بقيادة سياسية أو دينية حكيمة في القرن الحادي والعشرين أن تمضي حياتها بمواصفات تراثية تشبه حياة «حسن الصباح» في «قلعة آلموت»، أو مواصفات حديثة أقرب لحياة «بابلو إسكوبار»، التي انتهت بالقتل.

استعراض حياة علي البخيتي «الجدلية» تحتاج إلى بعض التركيز، لنكتشف أنها تمارس «الركمجة السياسية» على جميع الأصعدة، بما يوحي «لغير المنصفين» أنها شخصية «مهزوزة - موسوسة - مريضة - يمكن شراؤها بسهولة.. إلخ». لكن النظرة العميقة تؤكد أن علي البخيتي طيلة حياته عاش ويعيش وهو يتنفس «اليمن» كثابت وطني، يؤمن به تماما، مهما تقلبت مذاهبه وأشكال ملابسه، فالثابت الوحيد لديه هو «اليمن» بمختلف مكوناته التي يقف معها ما دامت تؤمن بالتعددية السياسية والمذهبية مع وعيها بأهمية السعودية كدولة جارة، يحترمها ويحترم فضاءها الجيوسياسي، ولهذا فهو من أهم الأرقام «الناضجة سياسيا»، التي يمكن التعامل معها في «الملف اليمني».

زار كاتب المقال اليمن قبل عقدين، لأسباب «عائلية/‏‏ أحمد عبده عبدالمتعالي، تجاوز الثمانين من العمر، مريض بالقلب والسكر، عضو الحزب الاشتراكي، متقاعد من إدارة التطوير بوزارة الدفاع اليمنية برتبة عميد»، وكانت زيارة الكاتب برفقة «الخبير الحقيقي بالشأن اليمني/‏‏ محمد زايد الألمعي»، الذي من خلاله تعرف الكاتب على بعض الأسماء المعروفة في المشهد اليمني، ومن أشهرها أمين عام الحزب الاشتراكي المساعد، الشهيد جارالله عمر - رحمه الله - الذي استضاف محمد زايد الألمعي والكاتب برفقته في منزله للمبيت. وقد ورده اتصال ليلا، في حضور «الألمعي» و«المتعالي»، لتحذيره من احتمال محاولة اغتيال، وهو ما استقبله الشهيد بعبارة يكررها دائما: «هي كلمة إن لم تقُلها تمُت، وإن تقُولها تمت، فقُلها ومت» مع ثبات روحي، ينشر الطمأنينة فيمن حوله. وفي فجر اليوم التالي، استأذن الاثنان (محمد الألمعي ومجاهد عبدالمتعالي) مضيفهما، شاكرين له كرم الضيافة، واتجها لمنفذ «حرض» في تاريخ 28 ديسمبر 2002 باتجاه وطنهما «السعودية»، لتصلهما بعد ذلك فجيعة خبر اغتياله برصاصتين في الصدر أمام حفل حاشد، بعد إلقاء كلمته ضد الفساد بأنواعه في «المؤتمر العام لحزب الإصلاح الإسلامي»، مما شكل فاجعة حقيقية لكاتب المقال، الذي انقطع عن اليمن قرابة السنتين، ثم عاد إليه، ملتقيا الكبير الكريم عبدالعزيز المقالح كمستشار ثقافي لرئاسة الجمهورية، فسأله: لماذا غبت عنا؟. وعندما أخبره الكاتب بما حصل، وأنه «خواف جبان»، ولم يمر بمثل هذا في حياته، قال له «المقالح»: الخائف لا يعود. وأضاف: أنت لست جبانا، لكنك «شديد الحذر». وقد التقى الكاتب الكثير من الأسماء التي يعرفها «محمد زايد الألمعي» أكثر من بعض اليمنيين أنفسهم، خصوصا أن زوجة الألمعي (أم زايد)، الدكتورة ابتسام المتوكل، من القيادات الفكرية في اليمن، ولقد ضاعت إمكانية استثمار كل هذا بسبب «الوطنجية» العاجزين عن النظر أبعد من أنوفهم، فطالبوا محمد زايد الألمعي (على وسائل التواصل) بتطليق زوجته، لأن قرارها ارتبط بضرورات البقاء في صنعاء كموقف مقارب لموقف «علي البخيتي» قبل ست سنوات. هؤلاء «الوطنجية» رآهم الملك عبدالعزيز بعين بصيرته قبل قرابة المائة عام، عندما قال لأحد مستشاريه: لا نريد سوى الرأي السديد، أما من يقول لنا «الشيوخ أبخص»، فعندنا منهم كثير. ولهذا أجاب المستشار الأمين بقوله: الملوك ليسوا بحاجة إلى من يكثر أعداءهم، بل لك عليّ يا صاحب الجلالة أن أصاحب من يعاديك، حتى أزيل أسباب عداوته، فيرجع إليك حليفا وصديقا.